مع التطور السريع في عالم التقنية ذات الدقة العالية وسهولة اقتنائها ، أصبحنا شعبا يستهلك ما ينتجه الآخر من العالم المتقدم ، غير مدركين لضرورة أن نتصدر نحن دول المخترعات وشهادات البراءات ، وحتمية أن نمتلك أدوات الابداع والبحث العلمي ، خير من أن نرتهن لتعاليم طريقة استخدامها أو إعادة تركيب قطعها. وحتى تقوم لنا قائمة ، ونصبح في عداد الشعوب الفاعلة ، لا بد من نهضة شاملة وثورة حقيقية في التعليم والصحة والتجارة والصناعة وغيرها من أعمدة مقاييس التميز والاختلاف ، وللوصول إلى ذلك الهدف المنشود، هناك طريق لا بد من السير فيه وهو ضرورة اعتمادنا على مناهج وأساليب ناجعة في التعامل مع جملة أعمالنا ، وقد جاء في الحديث الشريف : "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " .وفي حديث آخر: " إن الله يحب إن عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " . ولو أننا جميعاً تمسكنا بدلالات ما ورد في هذين الحديثين فحتماً لن نضل أبداً ..وهما بدون شك عظيمان في الأثر والتأثير . إن التحلي بأخلاقيات العمل واتقان ما يوكل إلينا من مهام والمثابرة على متابعته بكل دأب ونشاط سيخلق جواً تنافسياً وتكاملياً في بيئة العمل يسهم في تحقيق التنمية المستدامة للأمة والمجتمع . وإذا ما استعرضنا تجارب بعض الأمم التي نهضت واحتلت مصاف الدول المتقدمة بعد انهيار كبير لبناها الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945م ) .فتكون التجربة اليابانية خير نموذج في هذا ، فقد اشتغل اليابانيون على ترقية بلادهم ، واخلصوا لها وكان شعارهم في العمل يتلخص كالتالي : اذا استطاع احد فعل شيء ما فأنا استطيع ذلك ، وإذا لم يستطع احد فعله فمن الواجب علي محاولة فعله .. أما المفكر الياباني تاييشي اوهنو (Taiichi Ohno ) فقد ابتكر فلسفة ال (كايزن) بهدف تطوير المؤسسات الصناعية وتطبيقها في أماكن العمل والشركات ، ولاقت نظريته استجابة ورواجاً سرعان ما انتشرت ليشمل تطبيقها جميع جوانب الحياة وخاصة بعد صدور كتابه الشهير سنة 1985م . حيث تقوم فكرة ال (كايزن) على التحسين المستمر لكل عمل نقوم به سواء يدوياً أو آلياً ، وذلك بإحداث تغيير بطيء فيه وإضافة شيء ما له كل يوم، من خلال دراسته وتطبيق ما يلزمه للوصول به إلى حالة أفضل مما كان وبالتالي نحصل على قيمة مضافة وجودة شاملة وننتهي من آفة الهدر في الوقت والضياع في الجهد والطاقة وكذلك نضمن الأمن الصناعي والسلامة المهنية لكافة القطاعات الانتاجية في البلاد .هذه الفلسفة يمكن استخدامها أيضاً في تطوير الذات البشرية فتجعلنا نتغير نحو الأفضل ، مبدعين في طريقة تعاملنا مع الآخرين وأعضاء فاعلين في مجتمع يتوق للمجد والعلا ، مكرسين قم الولاء والانتماء للوطن وحب العمل ثقافة ومنهجا.