أشرت في مقالي السابق (الفزعة من مكتب العمل) إلى ما أعتقدها أسبابا منطقية لجعل مكتب العمل كمؤسسة معنية بحفظ حقوق العمال والشركات في آنٍ واحد غير قادرة على فعل ذلك بالشكل المطلوب، وعلَّقت الجزء الأكبر من المشكلة على المادة 77 التي تنص على: (ما لم يتضمن العقد تعويضاً محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع، يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضاً يعادل أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات الخدمة، إذا كان العقد غير محدد المدة)، وأوضحت في مقالي أنَّ الثغرة في هذه المادة تكمن في أنها منحت كل إداري القدرة على تخيير الموظف بين أن يظلمه فيصمت، أو أن يرفض الظلم فيُفصل، وبالنتيجة فإنَّ بيئة العمل الحالية في كثير من الشركات أصبحت سيئة بسبب استغلال هذه الثغرة الواضحة في هذه المادة. في تعقيب أجده مهماً على المقال الفائت، ذكرَ صاحبه أنَّ المقال تناول المادة 77 من جانب واحد وهو الموظف، بينما لنسبة من الشركات أسباب موضوعية لإنهاء خدمات الموظفين على هذه المادة تتعلق أحياناً بوجود خسائر فادحة لدى الشركة أو بسبب إعادة هيكلة وإلغاء مجموعة من الوظائف وكذا بسبب إهمال الموظف وعدم قيامه بالأعمال الجوهرية المنوطة به وبالنتيجة فإنَّ هذه المادة خلقت نوعا من التوازن وحفظت حقوق الشركات والموظفين في آن واحد، في تصوري أنَّ هذا المنطق مع الأسف منطق من ليس له دراية دقيقة بالقانون العمالي، ما ينبغي أن يلتفت إليه صاحب هذا الرأي أنَّ المادة 77 هي في حقيقتها تبرر للفصل غير المشروع وتجيزه ولا تتحدث عن الفصل المشروع، المادة 74 هي التي تحدثت عن الفصل المشروع ومسبباته التي من ضمنها القوة القاهرة المتعلقة بوجود خسائر فادحة وكذا بإنهاء النشاط الذي يعمل فيه العامل، وأيضا تحدثت المادة 80 عن عدم قيام الموظف بالأعمال الجوهرية المنوطة به، من هنا فلأنَّ النظام كفل للشركات كامل حقوقها بما في ذلك حقها في إنهاء خدمات الموظفين بسبب (مشروع)، لم يبقَ أي سبب منطقي لاستحداث هذه المادة الغريبة التي استغلتها نسبة من الشركات بشكلٍ واضح في ظلم الموظفين، وأما الادعاء بأنَّ الكفاءات لا يمكن لجهة ما أن تستغني عنها فهذه لغة غير واقعية ولا تمت للواقع بصلة، اللغة السائدة هي لغة العنصرية والقبلية والشللية، قد نتفق ونختلف في نسبتها ولكنها بالتأكيد واقع موجود. في اعتقادي أنَّ القانون لا ينبغي أن يُسن بافتراض المعادلات السلوكية المنطقية الطبيعية فقط، بل ينبغي أن يراعي أنَّ الإنسان بطبعه غير معصوم وقابل لتغليب أهوائه ونزواته والبطش بمن يعارضه والانتقام منه، من هنا وجب أن يُسنَّ القانون بطريقة تحمي الإنسان من نفسه كما تحمي المجتمع كذلك، لذا أجد أنَّ الرد على سن المادة 77 بأنَّها خلقت التوازن الذي يحمي الشركات والموظفين في آنٍ واحد هو رد غير صحيح البتة، كما أنَّ الادعاء بأنَّ الشركات لن تستغني عن الكفاءات هو رد أقل ما يقال فيه أنَّه مضحك، وربما يكون بنفس درجة التعويل على جملة (لا تسرع فالموت أسرع) لمنع السرعة والتهور!!!.