أستطيع أن أقول إنَّ مكتب العمل الآن وبعد سَنّ المادة 77 التي تجيز الفصل غير المشروع بشرط منح الموظف مكافأة زهيدة مقدارها راتب 15 يوماً عن كل سنة لموظفي العقود غير محددة المدة، أستطيع أن أقول إنَّ هذا المكتب أصبح غير قادر على حماية أي موظف من أي عملية ظلم صريحة له من شركته، فلو أقدمت شركة على تغيير راتب موظف عقده غير محدد المدة إلى النصف مثلاً، فإنْ «قَبِلَ» مرغماً أصبح مظلوماً، وإن رفض وذهب لمكتب العمل يطلب «الفزعة» فصلته شركته على المادة 77، فالنتيجة هي أنَّ المادة 77 نسفت كل بيئة عمل جيدة في المملكة، كما أنَّها نسفت أي مقدار من قوة للدفاع عن النفس، فإما أن تكون عبداً ذليلاً خانعاً إلى الظَّلَمة في شركتك، وإما أن تُرمى في الشارع. في مناقشة مع أحد القانونيين المتفائلين بقوة النظام، أوضح لي أنَّ أي عملية ظلم صريحة يتعرض لها الموظف وبغض النظر عن جنسيته من قبل إدارة شركته فإنَّ مكتب العمل يستطيع التدخل وإيقاف هذا الظلم وإجبار الشركة على السير وفق القانون، السؤال الذي لم يجد له هذا المتفائل جواباً هو: وهل سيستطيع مكتب العمل حينما تنتقم الشركة من الموظف بفصله على المادة 77 أن ترجعه إلى عمله وتوقف هذا الظلم عليه؟!!!، هنا لم يجد هذا المتفائل بُدّاً من التململ والإجابة أخيراً ب «لا»، مكتب العمل في حقيقة الأمر لا يستطيع أن يوقف الفصل على المادة 77 لأنه فصل قانوني وليس للموظف حق إلا في تعويض مادي زهيد، حينما يعي الموظف هذه المعادلة بشكل جيد فما عليه إلا أن يلتمس من إدارة شركته أن تترفق قليلاً في ظلمها له، وأما إذا كان هذا المقدار البسيط من تقليل الظلم لا يتناسب مع سياستها فإنَّ الموظف ينبغي أن يخضع ويلتزم الصمت تماماً. هذه المادة المشؤومة هي التي أفسدت سوق العمل، هي التي جعلت نسبة من غير السعوديين يرمون المواطن في الشارع، هي التي جعلت بيئة العمل رديئة جدّاً وسيئة، ما أسهل الانتقام من الموظف على المادة 77، ما تقوم به نسبة ربما ليست قليلة من الشركات اليوم هي فصل السعوديين ذوي الرواتب المرتفعة نسبيّاً واستبدالهم بسعودة وهمية من أجل تقليل التكاليف، وهذه ثمرة من ثمرات هذه المادة، أما ما يجري أخيراً في سوق العمل، فهو قيام مجموعة من الشركات بتقليل أجور الموظفين بحجة تأثير الأزمة الاقتصادية عليها، المشكلة في هذا السياق هو أنَّ هذه الشركات ليست مجبرة أمام أحد على شرح أسباب تخفيض الأجور، كما أنَّها تعي أن من يعترض بطريقة أو بأُخرى على هذا القرار ستُنهى خدماته فوراً، من هنا فإنَّ وضع الموظفين سيِّئ جدّاً لانتفاء الجهة القادرة على مساعدتهم. الأصل في القانون هو حماية الأطراف ذات العلاقة من أي نسبة من التجاوز، انتفاء هذا الأصل يعني تجريد القانون من أساسه الذي يقوم عليه، المادة 77 كما أرى ويتفق معي كثيرون، منحت الشركات حق الظلم الصريح للموظفين، بمعنى أنَّها أولاً أجازت الفصل غير المشروع وثانياً لأنها جعلت الشركات تبتز موظفيها وتخيرهم بين الظلم وبخس الحقوق وبين الفصل والرمي في الشارع.