مصاب «بالوسواس الفسادي»، هذا المصطلح هو مصطلح من اختراعي، وهو حسبَ تفسيري، حالةٌ أو مرضٌ، سمِّه ما شئت، يصاب به شخص فقد أي نية حسنة تجاه أي مشروع يجري بشكل غير منطقي. ولكي أوضح لكم أكثر، دعوني أُعدِّد لكم بعضاً من الأمثلة. في فترة من الفترات كان هناك توسُّع غريب في مشاريع الإنارة، حتى إنني جبت مناطق ريفية، وقرى بعيدة، وهجراً، فوجدتها كلها وقد انتشرت فيها أعمدة الكهرباء، بل وشاهدت مخططات خالية تماماً من السكان تنتشر فيها عبثاً الإضاءة، عندها تسلَّل إلى عقلي هذا الوسواس الفسادي، فقلت لنفسي: لا يمكن أن يكون هذا الترف والتوسع إلا من أجل دعم «جيب» مورِّد، أو وكيلٍ ما. هذه الحالة أيضاً تراودني عندما أرى مدن الصفيح «الكلايدنج»، هذا المعدن الذي لم يكن يوماً صديقاً للبيئة أو الإنسان أو حتى السلامة، يُجبر على وضعه على واجهات المحلات، ولا تُعطى في بعض البلديات الرخصة لأي محل تجاري إلا بعد تلبيسه بالكامل به، وكذلك الأمر مع البنايات التجارية، وكنت أتساءل كيف اجتاح هذا المعدن في يوم وليلة مدننا وشوارعنا التجارية، وبات يروَّج له تحديداً وليس لبدائله، ثم لماذا لا يفرَّق في تنفيذه بين مدن كبيرة وبلدات صغيرة وقرى في أقصى المناطق، ولماذا لا تترك القرى والأرياف على طبيعتها الجميلة ويتم إعفاؤها من هذه الإضافة المملة والمرهقة لجيوب الباحثين عن مصدر رزق لا يوازي بأي حال من الأحوال مثيله في المدن؟ لابد أن هناك سراً خلف هذا الإصرار في أن يعمَّ هذا الصفيح كل قرية ومدينة في بلدنا، ولابد أن هناك مستفيداً تصب قيمة كل هذه التكاليف في حسابه. هكذا حدثني «وسواسي الفسادي».