حاول أن تتحسس بأطراف أصابعك اليسرى ظاهر يدك اليمنى، تمعَّن في تحسس تلك الخطوط الدقيقة التي يعج بها جلدك، تأمَّلها ملياً فكل خط منها ليس إلا ذاكرة التقطت كل الصور والمواقف والأحداث التي حدثت لك عبر الزمن، فما بين لقطة وأخرى تتسجل كل تفاصيلنا الدقيقة، من أجل ذلك تقترن «الزمكنة» بآلية التفكير، فما إن يستدعينا مكان إلا ومعه الحنين والشخوص، بل كامل المشهد لأن ذاكرة الجلد كانت دقيقة في تصويره صوتاً وصورة! كل متغير عبر الجلد يظهر على ملامحنا مهما كان الفارق الزمني ضئيلاً، فالجلد يأبى إلا أن يُشهد الصورة على كل حدث مر علينا، وكأن الزمن يبصم بكل دقائقه على جلودنا! وقد أكد العلماء على أن خلايا الجلد تملك صوتاً لا نفقهه، قال تعالى «وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون». هذا، وقد قادتني القيمة المعرفية والدينية والعقلية إلى الدهشة من جلودنا المزودة بكاميرات عالية التقنية من صنع الرحمن، فماذا عسانا نفعل؟! الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نحسِّن به ذاكرة الجلد، هو العناية بتحميل الملفات الأكثر سعادة، والتخلص من السجلات القديمة المؤلمة أولاً بأول حتى لا يحتفظ بها في العمق، وتؤذينا عند كل ذكرى، ونتحمل تبعات المحاسبة عليها في الآخرة. الاستغفار مذيب حقيقي لكل ما قد تختزله جلودنا من أخطاء وانفعالات وتهور ونزق بصفتنا ذاك الإنسان الذي يجنح إلى الكبر والتجبر والخطأ. الرفق بهولاء المسنين في محطتهم الأخيرة من العمر، إذ نكاد أن نسمع صوت جلودهم تثرثر بحكايا الماضي، هذا الغلاف الخارجي هو صورة عاكسة لكل الآلام والمآسي الذي عجَّت بها أجسادهم بمرور الزمن، فهي تحمل ملفات الماضي، وتحت كل غض من جلودهم مأساة بكل ما فيها من صور وأحداث ومعاناة، وكلما تقدم العمر بالإنسان أُثقلت ذاكرة جلده بتصاريف الدهر.