لكل ظواهر الحياة أسباب، كذلك للعنوسة أيضاً أسبابها الكثيرة، وما نراه الآن من تردد وامتناع عن إنشاء أسرة له في نظر بعضهم مبرراته، ومنها أن لكل إنسان الحق في اختيار الطريق الذي يناسب شخصيته في خدمة المجتمع أو في شكل رحلة العمر، ولهذا القرار الجريء الذي يتخذه سواء بالبقاء حرا دون قيد أسري أو بالزواج أسبابه، ومن أسباب العنوسة المباشرة والواضحة. الوضع الاقتصادي الذي يتضمن في جملة ما يتضمن غلاء البيوت سواء كانت مستأجرة أم مملوكة، وما يرافق ذلك من ضعف في دور الجمعيات التعاونية – هذا بالنسبة للبيوت، وعن الوضع الاقتصادي نستطيع التوسع في صفحات؛ لأنه لا يمس في طريقه السكن حصراً بل أثاث المنزل كاملاً، مما يقودنا إلى تكاليف الزواج والمهر وتكاليف حفلة العرس والجهاز الخ.. إن هذه الالتزامات أدت إلى تقليل فرص الزواج لعدم قدرة العريس على القيام بكل هذه الأعباء.. وهنا نلفت النظر إلى ظاهرة حديثة بدأت بالانتشار في مناطق عدة في العالم، وأعني ظاهرة الأعراس الجماعية وما يمكن أن توفره على العرسان من تكاليف باهظة. كذلك هجرة الشباب وتتضمن: العمل خارج البلاد بسبب ضعف فرص العمل وقلة المداخيل، فكثير من الشباب مسؤول ليس فقط عن نفسه بل أيضاً عن والديه. وهجرة الشباب الذين يسافرون من أجل الدراسة ويتزوجون من أجنبيات ويستقرون في بلاد الغربة، ولعل أحد أسباب زواجهم من أجنبيات هو رخص تكاليف الزواج. وقد شاء الله ازدياد نسبة الإناث عموما على الذكور، وهذا الخلل نلحظه في البلدان المتقدمة أكثر منه في البلدان النامية، وهذا قد يكون لحكمة ربانية، ربما لتخفف الطبيعة من غليان الذكور وتوتر العالم العسكري والسياسي. ولعل من أهم أسباب العنوسة التفاوت الاجتماعي والثقافي؛ حيث غالبا ما يرفض الأهل الزواج بسبب الوضع الطبقي والاجتماعي لأحد الطرفين؛ لأنه (غير مناسب للطرف الآخر) بغض النظر عن الملاءمة الفكرية أو العلاقة العاطفية التي قد تربطهما، ويأتي هنا دور الأهل التقليدي في منع هذا الزواج بحجة (عدم التكافؤ). كما أن العنوسة ليست دائماً عنوسة قسرية، بل هناك أيضاً عنوسة اختيارية بمعنى أن اختيارها يتم بمطلق الإرادة وبكامل التصميم، ربما يكون ذلك لعدم الرغبة في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال، وهذا ينطبق على الجنسين – أو قد يكون لأسباب نفسية كتجربة تعرض لها أحد الطرفين وأدت إلى اتخاذ هذا الموقف (مثلاً: قصص الحب الفاشلة، أو خيانة أحد الطرفين أو الموت).