تُنفق الدول المتقدمة ما معدله 2 % إلى 3 % من إجمالي ميزانيتها في البحث والتطوير، وتشير إحصائية إلى أنَّ كل إنفاق يوجه للاستثمار في العقول والتنمية البشرية يقود لعوائد تقدر بثلاثين ضعفاً من حجم الإنفاق، انطلاقاً من ذلك فإنَّ أكثر الدول تقدماً على المستويين العلمي والاقتصادي هي تلك التي تهتم بالبحث والتطوير وتُخصص لهذا المعنى ميزانية وافية، الشركات هي تماما كذلك، فالشركات الأكثر تقدماً هي تلك التي تهتم برفع مستوى كفاءة منسوبيها وتطويرهم بشكل مستمر، وعلى عكس ذلك الشركات الأقل مستوى، التي لا تجد لتنمية المهارات والكفاءات أي أهمية، بل ترى أنَّ هذا النوع من الإنفاق هو بعثرة للمال في غير وجه حق، بعيداً عن هذا التناقض يبرز في هذا السياق تساؤل حول الدور الذي ينبغي أن يتحمله الإنسان حينما يكون في بيئة لا تمنحه التدريب والتطوير، هل هو الركون إلى الواقع وعدم بذل حدود دنيا من التطوير الذاتي أو هو العكس تماما؟!. يرى برنارد شو أنَّ: (الأشخاص الذين يحققون النجاح في هذا العالم هم هؤلاء الذين يبحثون عن الظروف التي يريدونها، وإذا لم يستطيعوا العثور عليها صنعوها)، أما كيرك كير كباتريك فيقول: (تعلم درسا في النجاح من البعوضة، إنها لا تنتظر أبدا فتحة تنفذ منها، بل تصنع واحدة)، هاتان الكلمتان تردان في سياق أنَّ الإنسان لا ينبغي له انتظار من يقوم بتدريبه وتطويره ورفع كفاءته، بل ينبغي له في كل وقت أن يمتلك المبادرة لذلك، في تصوري أننا في كافة مجتمعاتنا العربية نحتاج للإنسان الذي يدرك أنَّ العلم والمهارة هما السبيلان الحقيقيان لتنمية الفرد كخطوة مهمة لتنمية المجتمع، على المستوى الشخصي وقبل اتساع استخدام الإنترنت وأثناء دراستي الجامعية؛ كنتُ ومعظم الطلاب نبذل جهوداً مضنية في كتابة البحوث، السبب هو أنَّ كتابتها حينذاك تتطلب الرجوع لمجموعة كبيرة من المراجع لأجل تدعيم الأفكار والاستدلال لها، هذا ما يجعل الأمر غاية في التعقيد بسبب يدوية العملية وصعوبة تحصيل المراجع والبحث فيها، اليوم حقق الإنترنت قفزة فلكية في عالم البحث، هناك مئات الآلاف وربما الملايين من المراجع العلمية موجودة على صفحات الإنترنت، وما على الباحث إلا كتابة الموضوع في صفحة البحث والنقر عليها ليجد كل ما يحلم به، هذه الدرجة من السهولة في تحصيل العلوم هي ما تجعل مهمة تطوير النفس عملية غاية في السهولة ولا يمكن بأي حال من الأحوال منح إنسان العذر في عدم القيام بها. رأيت مثلما بالتأكيد رأى غيري كثيراً من المتذمرين من وضع التعليم وَ(التدريب والتطوير) في معظم بلدان عالمنا العربي، وأنا أُشاركهم هذا الرأي، غير أنَّ نسبة ربما لا تكون قليلة منهم رأوا أنَّ الوضع السائد هو سبب وجيه لعدم التعلم، وهذا ما جعلهم يوما بعد يوم يسيرون إلى الوراء. الإنسان ولكي يكون بالفعل عنصراً فاعلاً في بناء نفسه وبناء المجتمع ينبغي له أن لا ينتظر من يأخذ بيده ليعلمه، بل ينبغي عليه أن يبذل كل ما يستطيع باستخدام الوسائل المتاحة للتعلم وتطوير الذات، ولا شك أنَّ نتيجة ذلك على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الشخصي ستكون باهرة وسيجد نفسه يوما بعد آخر يتنامى مكانةً وقدراً، أما إذا قرر انتظار من يأخذ بيده ويُطعمه العلم والمعرفة فأظن أنَّ سنوات عمره ستنقضي دون أن يتعلم شيئاً.