عشرون عاماً مضت على تلك «الكمائن».. التي أدخلتني فيها الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد.. عام 1995م، وتبدأ حكاية عودة «الذاكرة» بقيام الشاعر أحمد الملا بتوزيع مهام العمل في مهرجان بيت الشعر لدورته الثانية التي تم تخصيصها للشاعرة فوزية أبو خالد، فكان نصيبي من مجموعة الكتب التي ستصدر بمناسبة هذه الدورة الأقل بين الزميلين «عبدالله السفر، زكي الصدير»، وهو «تجميع الكمائن» التي نشرت في صحيفة اليوم وقت عملي مع المرحوم الأستاذ شاكر الشيخ مدير تحرير الشؤون الثقافية في الصحيفة، كان الشيخ – رحمه الله- صاحب العناوين الرنانة في الملاحق الثقافية، وكان للثقافة في زمنه صيت يمكن أن نسميه صناعة وبناء وريادة في العمل، فقد تشرفت حينها بالعمل معه في القسم الثقافي، بعدما قامت صحيفة اليوم بتقليص وإلغاء المكافأة الثابتة التي لم تكن مجزية حينها عن جميع العاملين في القسم الثقافي، «وهذا حال الثقافة في كل زمان ومكان»، فعندما يبدأ الحد من المصاريف في أي صحيفة نجد الأقسام الثقافية كبش الفداء الذي يجب التضحية به، فالمثقفون لا ظهر يحميهم، ولا خبر يسعفهم، لذا يجب التضحية بهم كي لا يغرق المركب، وبعد تلك المجزرة التي تمت في القسم الثقافي، تحملت أنا كصحفي متفرغ بأن أتولى مسؤولية تلك الصفحات إضافة للملحق الثقافي «8 صفحات أسبوعية»، وسيكون هناك حديث آخر عنها ذات يوم. في هذه الفترة كانت الشاعرة فوزية أبو خالد تقدم كمائنها ضمن الملحق بعد أن قدمت زاوية «أما قبل» كتبت فيها «سيرة ذاتية لتيار جماعي»، عام 1994، لتتوقف بعدها وتبدأ في كتابة «كمين الأمكنة»، وبشهادة جميع المثقفين فإنه من أجمل ما كتبته أبو خالد، وقد أدخلتني معها في الكمين عام 1995م لأتابع تلك الكمائن التي تصل عبر الفاكس حيث كانت تكتب الكمائن بخط اليد وما كان للحاسوب حضور قوي في التعامل، واستطاعت أبو خالد أن تأخذني معها إلى تلك المدن والعواصم، فقد كانت لغة الكمائن شعرية، وتحمل نفساً خاصّاً لصاحبة «ماء السراب ومرثية الماء وشجن الجماد» ودواوين أخرى. هكذا كانت فوزية على اتصال بي مرة كل أسبوع لمراجعة النص المرسل والحديث عن الكمين وتفاصيل المكان الذي زارته، وكان الحديث يطول عبر الهاتف الثابت، فلم يكن للنقال حضور حينها، فنذهب بالحديث عن مدن المملكة التي كنت أتمنى حينها زيارة كل «كمين»، قامت بالكتابة عنه. امتدت العلاقة بفوزية الإنسانة كل تلك الأعوام وعبث البحر بيننا عندما تزور المنطقة الشرقية حيث نذهب كأسرتين بالأطفال ونلتقي في الساحل ليكون الصغار حاضرين في البحر وعبث التراب بيننا. بقيت فوزية كما هي تلك الطفلة الصغيرة بروح الأم والجدة – كما هو حالي الآن- تتذكر التفاصيل الصغيرة وتعود بذاكرتها لسراب الأصدقاء الذين توزعوا بين مشارب المدن وعواصمها، وبقيت وحدها تحلق في سماء الأمكنة وتكتب دونما أن تغير خطواتها، وتتكئ بجسدها الناحل على تاريخ مليء بذاكرة الأصدقاء والأمكنة.