كرمت اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة الدكتورة فوزية أبو خالد عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية لكلية الآداب بجامعة الملك سعود ، وقال الشيخ عبد المقصود خوجه في كلمته الترحيبية التي ألقاها نيابة عنه الدكتور رضا عبيد أن الشاعرة الدكتورة فوزية حرثت سبع سنين دأباً في بيادر قاموسها الخاص لتخرج علينا عام 1402ه/1982م، بديوانها (قراءة في السر للصمت العربي/ أشهد الوطن) لتستمر في السير على ذات المنوال.. متطرقة إلى فضاءات البوح الذي تتيحه لها القصيدة المنثورة، فتجلى لديها الهم العام بصورة أكبر، وكأن الحياة لم تمنحها إلا جناحي حزن ينبعث من نشرات الأخبار، ويسري في الدم ويجعله يتخثر ألماً وحياءً من فضول القول التي تخبئ سرطانات التآكل المستمر في جسد الأمة، وأضاف أن المتتبع لأعمالها يجد ملامح تجربة شعرية تختلف قليلاً في دواوينها التالية الموسومة (ماء السراب) 1415ه/1995م، و(مرثية الماء) 1425ه/2005م، و(شجن الجماد) 1426ه/2006م.. فقد مالت بدرجة أكبر نحو الأشياء الصغيرة، واستنطقت الجماد في آخر أعمالها، وكأنها تشير إلى أن العالم أكبر من أن تختصره حنجرة واحدة وكلمات مموسقة.. فهل ضجرت من زوايا السياسة والرهان على مستقبل لم تعد صناعته بأيدي من أثخنتهم جراح الهزائم والانتكاسات؟ أم أنها صاغت من نبض الساكن بعداً آخر للمتحرك؟!! وأضاف أن فضاءاتها لم تقتصر على مرافئ الشعر، بل تجاوزتها إلى القصة، والكتابة للأطفال، وتفرعت شجرة إبداعاتها لتثمر الكثير من الإنجازات في ساحات العمل الأكاديمي، والإعلامي، واستطاعت أن تتجاوز المثبطات التي تقعد بالبعض عن ارتياد آفاق جديدة حرصاً على توخي السلامة.. فنجدها تردد عبارة يوجين أكسو: (الأدب والفن الذي لا يثير العداوات لا يستحق الحياة).. مُثبتة بذلك تمسكها بخطها الشعري، بغض النظر عن الجدل الذي يثيره حولها. وأضاف خوجة أن الدكتورة فوزية واحدة من المبدعات القلائل اللاتي تمكنّ من الخروج من السحن المشنوقة في أساليب موحدة في الكتابة.. واستطاعت أن تتخلص من الحياء المنبوذ نحو الجرأة المسؤولة التي تنقص بعض كتاب هذا العصر الذين اختلط في كتاباتهم الحابل بالنابل، وللأسف سرقتهم شواغل الحياة وصخبها، فاستغنوا عن تعميق الحدس وقوة التأمل في واقع المجتمع. خيط سياسي وفي كلمته قال الدكتور عبد الله مناع أن الدكتورة فوزية اختلفت في كتابتها عن كثير ممن سبقوها ومن زامنوها فقد كان في كتابتها شيء من السياسة وقد كان هذا الخيط السياسي عنصر جذب بالنسبة له فقد كان يقرأ كل كلمة كانت تكتبها، ثم وعندما دارت الأيام وأصبح رئيس تحرير مجلة اقرأ كان من بين أهم خططه أن يستقطب الكاتبة فوزية أبو خالد وقد سبق أن كتبت أجمل المقالات في مجلة اقرأ منها مقالة عن أصحاب الجلاليب الزرقاء .. وهو مقال وإن كان عنوانه أدبي لكنه سياسي .. ثم ألقى الأستاذ حسين عاتق الغريبي كلمة نيابة عن الشاعر علي الدميني قال فيها ان الشاعرة فوزية ذات تمرد عذري ويتساءل كيف استنطقت الجماد واكتشفت أشجانه وكيف طرحت سؤال إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟ بذلك النزق وتلك الرزانة في عمر مبكر وكيف أفلتت الفراشات من حرائق الضوء وأضاف أنها دائمة التشكل والفوران الذي لا يهدأ إلا لكي يطلق قدراً أكبر من حيوية الجدل والتأمل والإبداع، فيما يتفق معه قارئها من مختلف المشارب أو يختلف وأضاف أنها تحيزت مبكراً وبشكل حاسم لكتابة قصيدة النثر وتميزت بصدق التجربة الفنية وحميمية التعبير عن مخاضاتها الكتابية حتى تبدت تلك الحميمية في صور من صورها الشخصية فكرياً ووجدانياً وشعرياً.. وفي مداخلتها قالت الدكتورة أميرة كشغري أن الدكتور فوزية خرجت من رحم المعاناة والكفاح .. وأيقظت فضاءات النص الجديد .. ورسمت شكل الفراشات في تراب الوطن .. وحلقت في قاع الهم الإنساني .. وأشعلت الثلج في أحضان الطفولة .. وأنها صوت العقل ممتزجاً بعاطفة الوجدان .. وهي صوت المعرفة متفاعلاً بنبض المجتمع .. وأنها عين امرأة مبحرة في عالم السياسية والاقتصاد .. فضلاً عن كونها كاتبة وأكاديمية وباحثة .. ووصفت الشاعرة بديعة كشغري الدكتورة فوزية بأنها زميلة الحرف الشعري ناضلت من أجل الشعر والفكر فكرست حكمها لتكون عميدة الشاعرات الحداثيات السعوديات استطاعت اقتحام قصيدة النثر حين كان يعد هذا الشكل الكتابي إثماً حقيقياً .. وبذلك أهدت الدكتور فوزية إثمها للقراء خلسة في عنوان يمس ذاكرة كل فتاة تنتمي إلى هذه البقعة التي تسمى الوطن إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟ فمن أسئلة الصبا الاولى واحتجاجات العقل الأنثوي على شريكه في السبعينات إلى أسئلة السر للصمت العربي في الثمانينيات حيث ذاكرة الهزائم والحروب .. فقد كانت الدكتورة فوزية تواكب الأحداث إبداعاً كما تسطر الوطن قلما وبحثاً. وفي كلمة عنونتها المحتفى بها الدكتور فوزية أبو خالد مشكاة الكتابة قالت : أذكر من طفولتي الأولى وجه شفيف من برد الطائف وزمزم مكة تقطر شلالاته وأنا على حجرها ترضعني وهي لم تتم الرابعة عشرة .. وما علمت حينها بأن ذلك الماء الستاني الشرس لن يتوقف عن تكشيل نسيج قصائدي كلما أتاني الهام الشعر حتى بعد أن صرت معمرة في العشق .. لم تكن تلك الشابة تسقيني حليباً وحسب وإنما كنت أغترف منها شهد الأشواق الفوارة داخل ثوبها القطني على عودها النحيل لاكتشاف العالم .. ولعلني لم ألحظ في تلك التجربة إلا لاحقاً سؤال كيف تحل عدة نساء في جسد امرأة واحدة ؟ فتحوله إلى حقل أحلام مشتركة ومستقلة بين الرجال والنساء، وأضافة قائلة : ربما كانت تلك البداية بوابتي لدخول مغارة حزن ونضال النساء وفضاءاته من أمنا حواء ومخاض السيدة مريم عليها السلام إلى مقاومة شهرزاد توقفاً مجلاً عند وقفة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بجانب صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم وهو وحيد يحمل رسالة الحق.. وأضافت قائلة :أنها تتذكر في الأعراص نساء برشارش ذهب من أعلى نحورهن إلى الخاصرة يتمايلن كموجة مذهبة تتكسر على رمال الصحراء وهن يرسلن شعورهن الطويلة المائجة على إيقاع دفوف تنهب الأفئدة .. وقالت أن الشريط السينمائي لذاكرة الأمس يلوح وكأنه يلتقط للتو بكاميرا رقمية وجه عبد الله والدها بقسماته السيفية بقامته الفارعة كسارية الريات وصوته الرعدي الماطر وقد لوحته شمس الصحاري ومشاق أسفاره اللامتناهية وعمله وهو في الحادية عشر في رعي الإبل وتشغيل السواني بكل ما في الحياة المنقسمة بين البداوة وبين الحضر من ائتلاف واختلاف وبكل ما فيها من رقة وقسوة وتلقيائية وتعقيد .. وأضافت أنها لن تسمح بأن يضيع تلاحق الأيام تلك الدائرة من الأطفال التي كانت تحف بسنواتها الأولى فتتشكل من أوقات اللعب معها بعض ملامح الأبجدية التي تعلمت الطيران بها بعد تلك المرحلة .. وقالت أن خميرة الانتماء إلى المكان وقود كتابتها من صوت المآذن إلى نداءات الباعة بباب مكة والبغدادية إلى صحو البنقلة من رنة فناجين القهوة المرة على متكأ المشراق بالرياض إلى بيالات الزنجبيل وشاهي باعشن بأبحر من صخب الصغيرات بالمدرسة الابتدائية الخامسة بالرويس إلى الشمس الصالية والسماء الصافية لمناخنا .. من برد المربعانية بالشتاء وسموم الهبوب بالصيف إلى رائحة شجر النيم تطارد رطوبة جدة. تطوير المحاكم وفي نهاية الحفل أجابت الدكتورة فوزية على عدد من أسئلة الحضور منها سؤال حول إحدى القضايا التي طالبت فيها الدكتورة فوزية بتطوير المحاكم السعودية المختصة بشؤون المرأة في الأسرة وتدوين أنظمتها وتوثيق جلسات المحكمة فهل هذا دليل على أن المرأة مازالت تعاني من عدم انصاف لأخذ حقوقها داخل مجتمعها..؟ أجابت الدكتورة فوزية أن هناك مشروعاً ترجو الالتفاف حوله وهو مشروع الطلاق السعودي الذي يطالب بأن يكون هناك مدونة شرعية تستفيد مما توصل إليه العالم العربي في مجال الأحوال الشخصية للطفل والمرأة والأسرة. وسؤال عن تزايد الجدل خلال السنوات الأخيرة في عدد من الدول العربية حول مدى ملاءمة المرأة كقاضية بين مؤيد ومعارض؟ أجابت الدكتورة فوزية أنها لا تفتي في هذا الموضوع فهناك آراء فقهية متعددة في الموضوع ومن قال لا أدري فقد أفتى .. ثم طرحت الأستاذة آمال عبد المقصود خوجة سؤالاً عن أهم القضايا الاجتماعية التي تناولتها الدكتور فوزية في كتاباتها ؟ أجابت أن أهم القضايا التي تناولتها تلتقي مع كثير من هموم المثقفين .. وأن المرأة لا تطالب بشيء يتعارض مع مطالب القوى الاجتماعية في المجتمع .. وسؤال عن وصف بعض النقاد للدكتورة فوزية بالتمرد وعن كونها فعلاً متمردة ؟ أجابت أن كلمة التمرد كلمة مجازية والتمرد إيجابي وليس سلبياً .. وأن والدتها كانت تقول لها إن التعليم والأخذ والعطاء يعلم الإنسان .. فالمطالبة بالحقوق لا يتناقض مع الواقع خاصة أننا مجتمع متعدد المشارب الفكرية والمواقف والمواقع الاجتماعية التي أحياناً ترتبط بمصالحنا تدفعنا للوقوف مع هذا أو ذاك .. ويجب أن نلتقي فيما فيه الصالح العام .