لماذا يتخلى بعضنا عن اللباقة والاحترام عندما يكون الطرف الآخر من العمالة الوافدة؟ لماذا يستخدم آخرون ألفاظا وأوصافاً مهينة لوصف من ينتمي إلى بلد معين من العمال؟ أليس الدين المعاملة؟ مقولة حفظناها ورددناها منذ أن كنا صغاراً، لكن بعضنا كمن حُمِّل التوراة ثم لم يحملها فكان نصيبه أن يحمل أسفاراً.. إذا كان الدين جاء ليُتمّم مكارم الأخلاق، ألا يعني ذلك أن الخلق الذي تعامل به الآخرين يشكل ركيزة أساسية لتدينك؟ وإذا كانت التقوى معياراً للتفاضل بين البشر، فكيف يتعالى بعضهم على عامل أو أجير فقط لأنه أقل منهم مالاً أو وجاهة أو نسباً؟ كنت مرة أجلس في مقهى عندما دار النادل الوافد على كافة مرتادي المكان مخبراً إياهم بأنه قد أوشك وقت صلاة الظهر على الدخول، وأن المحل بدوره لابد أن يغلق للصلاة، وبعدها ببضع دقائق أعاد الكرة بتهذيب طالباً من الجميع المغادرة. كل ذلك يظل مشهداً عادياً ومألوفاً، إلا أن غير العادي أن شاباً تبدو عليه – سطحياً – مظاهر الحضارة، دفعه بقوة في صدره وقال له مزمجراً بعينين ترميان بشرر «خلاص ياخي سمعنا.. فكّنا!» دمدم النادل بصوت خفيض ومهزوز «أنا فقط فعلت ماهو مطلوب مني فعله وهذا هو النظام». شعرت بالغصة وأنا أتذكر مقولة نيلسون مانديلا «ليس حراً من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة». لا ريب أن الطريقة التي نتعامل بها مع العمالة الوافدة التي تعمل في مهن – متواضعة تحديداً – تحتاج إلى إعادة نظر وتقويم. نرى بعضهم كباراً بل حتى أطفالاً يزدرونهم ولا يفوتون فرصة للاستهزاء بهم، يكيلون لهم الشتائم والأوصاف المهينة، يتخطونهم في الطابور، وينتهكون خصوصيتهم ظناً منهم أن تصويرهم في أي وضع أو وقت هو حق مشاع لهم. إن إساءة معاملة العمالة الوافدة وعدم احترامهم لا يقتصر على الجاهل والأمي أو السفيه، وهاهي وسائل التواصل الاجتماعي تقدم لنا تارة بعد أخرى أمثلة مزعجة لتعامل بعضهم مع الوافدين، فمن رجل ينهر العامل ويضربه ويهينه لأن المشروب الذي قدمه له سقطت فيه «قرطاسة» سهواً، لآخر يزهق روح عامل البوفيه بطلقة في الرأس، لآخر يشبه العامل بالعبد المملوك، ويستدل بآيات تساوي بينهما في المعاملة والأحكام، لأخرى تقوم بتصوير عاملة منزلية وهي تشكر وتثني على من «أهداها لها» وكأنها سلعة تباع وتشترى! في ظل غياب قوانين صارمة تجرّم إهانة الآخر وتفرض احترامه، فإن بعضهم قد تأخذه العزة بالإثم ولا يردعه ضمير إنساني أو خوف من عقاب أخروي، ولكن ماذا عن الدنيا وكيف يجد هؤلاء وأمثالهم مخرجاً آمناً لصنيعهم؟ إن المتأمل لحال الدنيا لا يأمن تقلباتها أبداً والأدلة من حولنا دامغة أن في تقلب الدهر عجائب وفي تغير الأحوال مواعظ. يقول د. مصطفى محمود في كتابه من أمريكا إلى الشاطئ الآخر «من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس إلى قلبه أبداً وسوف يرى الدنيا أياماً يداولها الله بين الناس. الأغنياء يصبحون فقراء، والفقراء ينقلبون أغنياء، وضعفاء الأمس أقوياء اليوم، والقضاة متهمين، والغالبون مغلوبين، والفلك دواراً، والحياة لا تقف».