هل سمعت يوماً ما مديحاً وإعجاباً لمكان أو كتاب أو متجر أو بلد أو حتى مطعم، لتذهب إليه أو تقرأه أو تجربه وتجده من وجهة نظرك عادياً، دون المتوسط، أو حتى لا يستحق كل تلك «الهلّيلة»؟ كم مرة شعرت أن إعجاب الآخرين بشيء مبالغ فيه وفي غير محله؟ إذا اتفقنا بادئ ذي بدء على اختلاف الأذواق والآراء، فإن هذا لا يعني أنك شخص «لا يعجبه العجب» بالضرورة، ولكن توقعاتك التي رفع سقفها عالياً ثناء الآخرين وانبهارهم هو ما جعلك تقلل من تقييم الشيء، ذلك أن ما سمعته جعلك تظن أنه استثنائي وليس عادياً أو جيداً في أحسن الأحوال. يقول وليام شكسبير «التوقعات دائماً تؤلم». حتى على صعيد علاقاتنا الشخصية فإن توقعاتنا من الآخرين ليست دائماً في صالحنا. ولا أعرف لماذا نرفع سقف توقعاتنا من الآخرين عالياً ونرهقهم بما نتوقعه منهم؟ لماذا لا نمنح الآخرين حرية التعامل معنا طالما أنها تحت مظلة الاحترام وضمن حدود الحقوق والواجبات؟ لماذا نلزم من نحب بأن يتعاملوا معنا وفق سيناريوهات نحن من صاغها بشكل ضمني مسبقاً؟ أليس من الظلم للنفس قبل أن يكون للآخرين أن ننتظر منهم أن يقدموا لنا ما لم نقدمه نحن لأنفسنا؟ التوقعات التي ننتظر من الآخرين فعلها – لنا أو من أجلنا – طوعاً وليست حقاً لنا أو واجباً عليهم تسلبنا الحرية وتدخلنا في دوامة الانتظار الذي ربما يطول مداه ولا يتحقق أبداً. التوقعات تربة خصبة لنمو الإحباط وعدم الرضا؛ لأن كل ما يقدمه الآخرون لنا سنعرضه على قائمة توقعاتنا الإلزامية منهم، فإن أجادوا في تحقيقها فسنشعر أنما قاموا بما هو متوقع منهم أصلاً، مصيبين بذلك مشاعر الامتنان في مقتل من الوريد إلى الوريد. وعلى النقيض عندما يخفق الآخرون في تنفيذ أجندة المتوقع منهم تقديمه لنا نشعر بخيبة الأمل، وفي كلتا الحالتين تتلاشى مشاعر الدهشة والعرفان والتقدير. تتزوج الفتاة لتتوقع من الزوج أن يكون فارس الأحلام الذي يملك مصباح علاء الدين السحري والملزم بإحالة كافة أحلامها لحقيقة وواقع. يتزوج الشاب أيضاً ليتوقع من زوجته أن تكون بجمال فتيات الإعلانات وبمهارة وحلم والدته الخمسينية، وهكذا يدور كل الأطراف على عجلة دائرية محاولين إرضاء غيرهم، لكنهم لا يصلون أبداً؛ لأن الآخر قد وضع كل ما يقدمونه ضمن ما يتوقعه وينتظره منهم، فلا مجال للدهشة أو الامتنان. نتوقع كثيراً ممن نحب فنظلمهم ونشعر بالإحباط، لكن الأولى أن نرفع سقف توقعاتنا تجاه ذواتنا وما يمكننا بذله وتحقيقه، وألا نلزم الآخرين بتقديم ما لم نسعَ لتقديمه لأنفسنا، وأن نخفضه فيما نتوقع أن يقدمه الآخرون لنا طواعية. بذلك نحن نحررهم من قيد الإلزام ونمتن لما يفعلونه من أجلنا. ربما الأجدر أيضاً ألا نخفض سقف توقعاتنا من الآخرين فحسب، بل أن نلغيه تماماً تاركين لهم حرية التعامل معنا بود وعفوية وأريحية.