ما أكثر المحبطين! والناس يصيبهم الإحباط غالبا متى انتظروا غاية ولم تتحقق لهم، ويزيد إحباطهم إن كانوا قد بذلوا جهدا كبيرا، أو دفعوا أموالا طائلة أو ضحوا ببعض ما يحبون من أجل الحصول على تلك الغاية، لكنها لم تتحقق، والإحباط شعور ثقيل يصيبنا بالتعاسة والاكتئاب ويهبط بهمتنا، وقد تظهر آثاره القبيحة على تصرفاتنا تجاه أنفسنا أو تجاه الآخرين الذين نتفاعل معهم، لذا من المصلحة تجنب الإحباط ومحاربة التعرض له. قد يقفز من بينكم الآن محبط ليعلق قائلا باستخفاف: وهل تظنين أنه يمكن لأحد أن يتفادى الإحباط وينجو من الوقوع فيه؟ إن الإحباط يصيبنا شئنا أم أبينا، بفعل الآخرين الذين نتوقع منهم شيئا فيخيبون توقعاتنا، أو يحل علينا بيد القدر الذي ننتظر منه شيئا فيصيبنا بشيء غيره، نحن معرضون للإحباط من حين لآخر، لا نملك هربا منه. لكن أرسطو، الفليسوف اليوناني القديم، له رأي آخر غير هذا، هو يقول إننا نحن الذين نصيب أنفسنا بالإحباط وليس الآخرون أو القدر، وذلك عندما نتوقع من الآخرين أو من الغيب المجهول توقعات غير مضمون حدوثها، كأن نبني أفعالنا على توقعات أنها سترضي الآخرين وتنال إعجابهم، أو أننا سنتلقى عليها شكرا منهم، أو أنهم سيعاملوننا بمثل ما نعاملهم أو يحبوننا كما نحبهم، أو غيرها من التوقعات التي لا شيء يضمن احتمال وقوعها، بل قد يفاجئنا الآخرون بردود أفعال بعيدة عن كل التوقعات، فنصاب بالإحباط بسبب ذلك، ولو أننا من البداية لم نتوقع شيئا، لما اعترانا الإحباط. في رأي أرسطو، علينا أن نقيم أفعالنا بعيدا عن التوقعات، على أساس واحد فقط هو أنها تمدنا بالسعادة أثناء تأديتنا لها، بصرف النظر عن وقعها على الآخرين ونوع تجاوبهم معها وردود أفعالهم نحوها، إن هذا يخلصنا من براثن الوقوع في الإحباط متى لم تجئ ردود أفعال الناس كما نود ونرجو، فالذي يخلص في عمله ويجتهد في أدائه، لأنه يستمتع بذلك أو لأنه يؤمن أنه واجب عليه ويؤمن بضرورته، لن يصاب بإحباط متى لم يجد من يقدر جهده أو يشكره على فعله، ومن يقدم العون لمن يحتاجه بدافع من مشاعره الإنسانية التي تأبى غير ذلك، لن يحبط متى احتاج إلى عون ولم يجد من يمد إليد له. حين نفعل الفعل لأن فعلنا له يرضينا ويمتعنا، وليس لأننا نتوقع ثناء أو مكافأة من الآخرين، ينحصر أثر الفعل في ما يبثه في نفوسنا من إحساس إيجابي نحوه، فلا نحبط متى تقاعس الناس عن تحقيق توقعاتنا منهم، فمن يكتب رواية أو ينظم قصيدة أو يرسم لوحة، ينبغي أن تكون سعادته منبثقة من عمله وليس من توقع ما سيقال عنه، وحين نفعل لمجرد أنه يمدنا بالسعادة أثناء فعله، لا يصيبنا إحباط مطلقا؛ لأننا نتوقع شيئا غير ذلك، أما حين نفعل الفعل من أجل سماع تصفيق أو نيل جائزة فإنه من المتوقع أن نصاب بالإحباط، حيث قد لا يرتقي عملنا إلى مستوى توقعاتنا، لكننا آنذاك لا نلوم أنفسنا وإنما نلوم الآخرين الذين ترى دورهم أن يحققوا توقعاتنا منهم فإن هم لم يفعلوا كانوا موضع اللوم منا.