لو هبط زائر من كوكب آخر وسمع أن مخلوقاً لدينا يلزمه الحصول على إذن لإكمال الدراسة أو العلاج أو السفر أو حتى للتجارة لأصابته الحيرة وظن أن هذا المخلوق إما أنه عاجز أو متخلف عقليّاً أو قاصر عمريّاً. ماذا لو سمع أيضاً عن الجدل القائم حول مطالب إسقاط ولاية الرجل على المرأة وكيف أن الكل راح يفتي وينظّر ويدلي بدلوه، بل "وكلٌّ يغني على ليلاه"! الذين يعارضون مطالب إسقاط ولاية الرجل على المرأة دائماً ما يستشهدون بأمثلة لحالات مثالية قام فيها الرجل "الولي" بواجبه على أكمل وجه، وفي رأيي أن هذا الاستشهاد لا قيمة له ولا معنى، لأن مطالب إسقاط الولاية لم تكن يوماً رفاهية ولم تصدر ممن يتمتعن بكافة الامتيازات والحقوق، بل إنها جاءت كجزء من حل لحالات ظلم وقهر وعضل.. فلا أحد يريد أن "يزن على خراب عشه". وكمجتمع متحفظ يخشى الجديد ويقاومه قبل أن يجتاحه تيار التغيير، فكثير من المعارضين يعتقدون أن مطالب إسقاط الولاية ما هي إلا دعاوى مبطنة للانفلات والانفتاح والتحرر، وبتعميم خاطئ يعتقدون أن كل من طالبت بإسقاط الولاية فهي إما ساقطة أو متمردة على قيم وعادات المجتمع وكأن النساء – في ظنهم- قنابل موقوتة جاهزة للانفجار متى ما سنحت الفرصة. هذه أيضاً حجة غريبة لأن الرجال لدينا هم أولياء أنفسهم، فهل رأينا معظمهم يفرُّ من ذويه أو زوجته وبنيه أو فصيلته التي تؤويه! بعضهم أيضاً يظن أن ولاية المرأة على نفسها ستحدث تغييراً جذريّاً وجوهريّاً في طبيعة الأدوار التي يؤديها أفراد الأسرة، وما لكل فرد وعليه من حقوق وواجبات، والعلاقة بينهم، حيث إنه ما أن تكون المرأة ولية على نفسها فسوف نرى عُرَى الأسر والبيوت تنحل وتتلاشى كبيوت العنكبوت وكأن ما يجعل البيوت قائمة والأسر مترابطة هو المصلحة ومنطق القوة، وليس قيم العائلة والمسؤولية والمودة والاحترام، لكن الأصح أن تبقى الأدوار فعليّاً مثلما كانت بين جميع الأطراف إلا لمن أسس بنيانه "على جُرفٍ هار". ومع غرابة ووهن مزاعم المعارضين، ما زلت أتعجب أيضاً من بعض حجج المطالبين والمؤيدين الذين يدعمون موقفهم لاستحقاقية المرأة للولاية بأنها مخلصة ومتفانية وعطوفة وحنونة ومحبة وذات تضحيات في سبيل أسرتها وبيتها في حين أن هذه الصفات لا ينبغي أن يتم توظيفها لتكون مسوغاً أو تبريراً لإسقاط الولاية من عدمها. إن حقوق المرأة كإنسان لا ينبغي أن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصلاح ولي أمرها أو فساده، وجودة حياتها لا يصح أن تعلو وتهبط بمقدار ما يسمح لها به هذا الولي من حقوق.. فنحن بذلك بدلاً من أن ننصفها بإعطائها حقها الطبيعي كإنسان عاقل راشد، لا نكتفي ببخسها حقها بل نكون نحن والزمن عليها وكأنها هي المذنبة ولسان حالنا يقول "حوفك يالرفلا كليه".. ليبقى السؤال قائماً بلا إجابة مقنعة: ما الذي يمنع أن تكون المرأة – البالغة الراشدة- ولية على نفسها؟.