استأنفت تركيا أمس غاراتها الجوية على مواقع ل «داعش» في الأراضي السورية، موسِّعةً العمليات على طول شريطٍ يمتد إلى 90 كيلومتراً قرب حدودها. في الوقت نفسه؛ تطلَّع رئيس حكومتها، بن علي يلديريم، إلى تطبيع العلاقات مع دمشقوالقاهرة. وأعلن الجيش التركي قصف طائراته الحربية 3 مواقع لتنظيم «داعش» الإرهابي، حول قريتي عرب عزة والغندورة غربي مدينة جرابلس الواقعة في محافظة حلب شمالي سوريا. وتقع هذه المواقع تقريباً وسط شريطٍ تؤكد أنقرة سعيها إلى تطهيره من الجماعات المتشددة وحمايته من توسُّع جماعات مسلحة كردية. لكن الغرب يبدي قلقاً من هذه العملية العسكرية التي بدأت قبل 10 أيام، وتمثِّل أول توغُّلٍ كبيرٍ لتركيا في سوريا منذ بدء النزاع في الأخيرة قبل 5 سنوات. وعبَّرت الولاياتالمتحدة عن مخاوفها بشأن الغارات التركية على جماعاتٍ متحالفةٍ مع الأكراد تدعمها واشنطن في قتالِها ضد «داعش». وأعلنت ألمانيا بدورها؛ أنها لا تريد أن ترى وجوداً تركياً دائماً في سوريا. فيما ترد أنقرة بنفي نيتها البقاء في سوريا، مشيرةً إلى اقتصار أهداف عمليتها «درع الفرات» على حماية حدودها من «داعش» ووحدات حماية الشعب الكردية السورية. وشدَّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمرٍ صحفي صباح أمس في أنقرة: «ليس لأحدٍ أن يتوقع منَّا أن نسمح بممرٍ للإرهابيين على حدودنا الجنوبية». وتعتبرُ واشنطن أن استهداف القوات التركية لوحدات حماية الشعب الكردية، وهي جزءٌ من تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولاياتالمتحدة، يهدد بتقويض الهدف الأوسع، وهو التخلص من «داعش» الذي يهاجم أهدافاً غربية وتركية. وبدأت القوات التركية ومقاتلون من المعارضة السورية عملية «درع الفرات» في ال 24 من أغسطس؛ بطرد «داعش» من جرابلس الحدودية، قبل توجيه الأنظار صوب ما قالت أنقرة إنها مواقع تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية التي تنفي وجودها هناك. ورجَّحت «رويترز» إبقاء أنقرة قواتها في المنطقة لبعض الوقت، لدعم مقاتلين من المعارضة السورية لا يتجاوز عددهم 1500. لكن وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، حذر المسؤولين الأتراك من إبقاء قوات بلادهم هناك. وأبلغ شتاينماير الصحفيين في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا أمس: «تركيا تلعب دوراً أكثر فاعلية في سوريا في الأيام الأخيرة، بما في ذلك اللجوء إلى العمل العسكري، لكننا جميعاً نريد تفادي المواجهات العسكرية طويلة الأمد على الأراضي السورية». وخلال مؤتمره في أنقرة؛ أعلن أردوغان نجاح «درع الفرات» في تطهير منطقةٍ مساحتها 400 كيلومتر مربع من «داعش» ووحدات حماية الشعب الكردية. لكنه نفى أن تكون الوحدات، التي يصنِّفها منظَّمةً إرهابيةً، انسحبت إلى منطقةٍ تقع إلى الشرق من نهر الفرات، وهو مطلب رئيسي لبلاده. وتقول الوحدات إنها سحبت بالفعل قواتها من منطقة الحملة التي تدعمها أنقرة، وهو نفس ما ذكره مسؤولون أمريكيون تحدثوا عن سحب معظم هذه القوات إلى شرق الفرات الذي يمر في الشمال السوري. وعلَّق أردوغان: «في الوقت الحالي يقولون إن وحدات حماية الشعب عبرت؛ نقول كلَّا لم تعبر، البرهان يتوقف على ما نرصده»، لافتاً إلى ضغط بلاده من أجل إقامة «منطقة آمنة» لكن «الفكرة لم تلق تأييد» قوى عالمية أخرى. إلى ذلك؛ أفادت مصادر عسكرية تركية باستخدام قوات الأمن على الحدود الغاز المسيل للدموع ومدفع مياه، لتفريق مجموعة من المحتجين من مدينة كوباني التابعة لحلب. لكن المصادر نفت تلميحات بفتح القوات النار وقتل مدني على الأقل، وقالت إن المتظاهرين كانوا يحتجون ضد بناء جدار خرساني على الحدود قرب مدينة عين العرب (كوباني). في المقابل؛ قال مسؤولٌ من مجلس بلدية كوباني، يُدعَى أنور مسلم، إن القوات التركية استخدمت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، مستشهداً بمسؤول محلي في مجال الصحة، قائلاً إن شاباً في ال 17 من عمره قُتِلَ فيما أصيب 83. فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل طفل وإصابة أكثر من 30. وعندما سئِلَت عن هذه التقارير؛ ردَّت المصادر العسكرية التركية بالقول: «مجموعةٌ اقتربت من الحدود وهاجمت عمَّال الإنشاء والمعدات والجنود بالحجارة، استُخدِمَ الغاز المسيل للدموع ومدفع مياه ضدهم، لم يحدث إطلاق نار». وأظهرت لقطاتٌ من وكالة أنباء «هاوار» الكردية شبَّاناً يرشقون الحجارة من الجانب السوري للحدود فيما كانت قوات الأمن التركية ترشُّهم بمدفع مياه في محاولةٍ لصدهم. وتقع كوباني على بعد 35 كيلومتراً شرقي جرابلس. وتركيا جزءٌ من التحالف الدولي ضد «داعش» الذي تقوده الولاياتالمتحدة، لكنها تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من واشنطن امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً على أراضيها منذ 3 عقود. واشتبهت مصادر أمنية تركية في تورط الحزب المحظور في استهداف عربة عسكرية أمس بقنبلةٍ زُرِعَت على طريق قرب مدينة ديار بكر (جنوب شرق تركيا). على الإثر؛ أكدت وكالة «دوجان» للأنباء إصابة جندي واحد على الأقل. ويشهد جنوب شرق تركيا، الذي يغلب على سكانه الأكراد، تفجيراتٍ وأعمال عنف منذ انهيار اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين الدولة وحزب العمال الكردستاني العام الماضي. وجاء الانفجار قرب دياربكر عقب أعمال عنفٍ في مناطق أخرى قريبة الجمعة خلَّفت 5 قتلى من أفراد الأمن و20 مسلحاً كردياً. وفي بيانٍ آخر له أمس؛ أعلن الجيش التركي قتله 27 من أعضاء حزب العمال في ضربات جوية وعمليات برية في الجنوب الشرقي. وأشار إلى إصابة 30 آخرين في العمليات في إقليم هكاري. واتهم رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، الحزب بإضاعة فرصة عملية سلام سياسية؛ بعدما شن سلسلة من الهجمات بالقنابل في أعقاب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرِمَ قبل نحو 3 أعوام. واعتبر يلديريم، في إفادةٍ تلفزيونية أمس مع وزراء، أن قوات الأمن احتوت خطر المسلحين الأكراد في المناطق الحضرية في جنوب شرق البلاد، ولا تزال تلاحقهم في المناطق الريفية. ولفت إلى إنفاق الحكومة 10 مليارات ليرة (3.4 مليار دولار) على محاربة المسلحين، لكنه لم يذكر أي إطار زمني، متعهداً بإقالة رؤساء البلديات الذين سيثبُت دعمهم للمسلحين. وفي الإفادة التليفزيونية نفسها؛ أكد يلديريم استهداف بلاده إلى تطبيع علاقاتها مع مصر وإصلاح علاقاتها مع سوريا في المستقبل. وقال: «إن شاء الله سيكون هناك تطبيع مع مصر وسوريا، بدأت تركيا محاولة جادة لتطبيع العلاقات مع مصر وسوريا»، فيما لم يعلن جدولاً زمنياً لإصلاح العلاقات مع الدولتين. ويقول محللون إن أي تطبيعٍ؛ سيمثل تغيراً آخر في السياسة الخارجية الإقليمية لتركيا بعدما أصلحت علاقاتها مع إسرائيل وروسيا. ولطالما دعت أنقرة إلى رحيل بشار الأسد في إطار حل سياسي لجارتها التي مزقها النزاع. لكنها في الآونة الأخيرة كانت أقلَّ إصراراً على رحيله الفوري، في ظل قلقها من احتمال تقسيم الأراضي السورية وإقامة منطقة خاصة بالأكراد على حدودها. بينما توترت العلاقات التركية مع القاهرة منذ عزل الرئيس المصري السابق، محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بعد احتجاجات حاشدة على حكمه في صيف 2013. وكانت لأنقرة علاقات وثيقة مع أول رئيسٍ لمصر ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي. وفي الأسابيع الأخيرة؛ أعادت أنقرة بناء علاقاتها مع إسرائيل التي توتَّرت على خلفية القضية الفلسطينية؛ وعلاقاتها مع روسيا التي تدهورت بعد إسقاط الجيش التركي طائرة حربية روسية على الحدود مع سوريا. في شأنٍ آخر؛ نشرت الجريدة الرسمية في أنقرة أمس قراراً بفصل حوالي 8 آلاف من قوات الأمن وأكثر من ألفي أكاديمي من العمل، في إطار حملةٍ تطال المشتبه في صلتهم بمنفذي المحاولة الانقلابية الفاشلة في ال 15 من يوليو الماضي. وأقصت السلطات التركية 80 ألف شخصٍ من وظائف حكومية، واعتقلت كثيراً منهم بتهمة التعاطف مع مخططي الانقلاب. وأوضحت الجريدة الرسمية أن العدد يشمل 7669 من الشرطة و323 من الدرك، مشيرةً إلى إقالة 2346 أكاديمياً من الجامعات. وتتهم السلطات فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا في الولاياتالمتحدة منذ التسعينيات، بالتدبير للانقلاب الفاشل، وتطلب من الإدارة الأمريكية تسليمه تمهيداً لمحاكمته.