فقد مجتمع رجال الأعمال في الخليج أحد أعمدته، الذي ينتمي إلى أعرق أسرة تجارية، يعود تاريخ تأسيسها إلى أكثر من 125 عاماً، حيث يوارى اليوم الخميس عميد أسرة كانو، عبدالعزيز قاسم كانو، الثرى في العاصمة البحرينيةالمنامة. ولد كانو في البحرين عام 1932م، وتلقى تعليمه الثانوي فيها، بعدها توجه إلى المملكة المتحدة، ونال دبلوم عالياً في الاقتصاد، عاد بعدها إلى السعودية وتحديداً في عام 1954، واستقر في المنطقة الشرقية مبتدئاً حياته العملية موظفاً في قسم السفريات التابع للمجموعة، وبعد عامين أصبح مديراً لقسم السفريات، وفي الوقت نفسه كان يتدرب في كافة أقسام المجموعة للاستفادة واكتساب الخبرة اللازمة لممارسة العمل، وفي الستينيات الميلادية افتتحت المجموعة مكتباً في العاصمة الرياض، فعمل فيه لمدة ستة أعوام حتى عام 1970، حتى تم تعيينه نائباً لرئيس مجلس إدارة مجموعة شركات يوسف بن أحمد كانو في السعودية، واستقر في المنطقة الشرقية، وفي عام 2010 خلف ابن عمه عبدالله كانو في رئاسة المجموعة. وخلال سنوات عديدة ترأس عبدالعزيز كانو عدداً من مجالس الإدارات في شركات تشارك في ملكيتها المجموعة وشركات أخرى، منها المؤسسة العربية للتصنيع والتجارة، بارويد العربية السعودية المحدودة، مضافات الزيوت العربية السعودية المحدودة، وبنك الاستثمار «إنفستكورب»، إضافة إلى عضويته في مؤسسات حكومية، وأخرى تابعة للقطاع الخاص، منها المؤسسة العامة للبترول والمعادن «بترومين»، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، الشركة السعودية للنقل الجماعي «سابتكو»، شركة إسمنت المنطقة الشرقية، كما ترأس وشارك في عديد من الوفود الرسمية والتجارية لمملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وقد تم اختياره أبرز رجل أعمال في السعودية عام 1996، كما تم اختياره أيضاً من قِبل جهات متعددة ضمن أبرز رجال الأعمال السعوديين والعرب. تدخل مجموعة يوسف بن أحمد كانو بحلول عام 2016 عامها السادس والعشرين بعد المائة، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1890، وتعد واحدة من أكبر الشركات العائلية حجماً وعمراً في منطقة الخليج، وقد تعاقب على رئاستها أبناء الأسرة وفق منهجية واضحة حافظت على ريادتها كاسم تجاري شهير في منطقة الشرق الأوسط من خلال تنوع وتكامل أنشطتها، وقد ساهمت عدة عوامل في نجاح تجربة المجموعة، منها تنوع وتكامل الأنشطة، وانتشار مكاتبها وفروعها في المدن الرئيسية في دول الخليج العربية، ما أعطاها ريادة بارزة في السوق الخليجية، إضافة إلى هيكل إداري مرن قادر على الاستجابة للمتغيرات وفاعلية العمل، وكذلك العمل المتواصل على تدريب وتأهيل الموظفين الأكفاء لتحسين أداء عملهم وتقديم الخدمة المميزة للعملاء، وقد استطاعت شركات المجموعة أن تثبت وجودها وبشكل قوي من خلال وجودها التجاري والصناعي والخدمي وعلاقاتها الواسعة في منطقة الخليج منذ عهد مؤسسها الأول، وقد ظل أفراد العائلة محتفظين بعلاقات وطيدة مع عديد من الشركات العالمية منذ أوائل القرن الماضي، واستمرت وتأصلت هذه العلاقات بحكم المصالح المشتركة والالتزام بين الطرفين بالتعهدات والاتفاقات. كانت الانطلاقة الفعلية لمجموعة كانو من البحرين كونها موقعاً تجارياً متميزاً بين الهند وأوروبا، وكان تركيزها وقتها على تجارة الأرزاق ثم تجارة اللؤلؤ وأعمال الوكالات التجارية، وتدريجياً ومع اكتشاف النفط في المنطقة وتطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية تحولت الشركة إلى واحدة من أكبر الشركات العائلية في المنطقة تكاملاً وتنوعاً في الأنشطة والانتشار، وشمل وجودها المدن الرئيسية، ومواقع العمل المهمة في الخليج، وفي عام 1990 احتفلت المجموعة بمضي القرن الأول على تأسسها، ومع أن الشركة بدأت في المراحل الأولى من تأسيسها في التجارة، ثم عمليات الشحن والسفريات إلا أنها أخذت في المراحل اللاحقة في تنويع أعمالها التي امتدت إلى بيع وصيانة الآليات والتجارة العامة وتجهيزات وخدمات حقول النفط والكيماويات والعقارات والتأمين والمنتجات الاستهلاكية والقيام بمشاريع مشتركة مع عديد من المساهمين الخليجيين والشركات العالمية في مجال التصنيع والخدمات وغيرها. «الشرق» سبق أن أجرت حواراً مع الراحل، تناولت فيه تاريخ المجموعة العريق وانتشارها وفرص التوسع، حيث أشار إلى أن تنوع وتكامل أنشطة المجموعة وانتشارها في كثير من المدن الرئيسية في الخليج، كانت من العوامل الرئيسية لنجاحها حيث استطاعت أن تتبوأ مكانة مهمة في تلبية بعض المنتجات والخدمات، وأن تكون رائدة في الأسواق لمعظم القطاعات التي تعمل فيها، فمثلاً سفريات كانو تعمل في مجال خدمات السفر والسياحة، وتنتشر عبر أكثر من خمسين منفذاً، وبفضل رسوخ مركزها ومصداقيتها، وما تقدمه من خدمات للسفر والسياحة حظيت بالمركز الأول بين وكالات السفر والسياحة لسنوات عديدة، أما قطاع خدمات الشحن فيقدم مجموعة متنوعة من الخدمات من خلال اتصالاته المحلية والعالمية مثل الشحن والتفريغ والتخليص والنقل والتخزين سواء بالنسبة إلى البضائع الواردة أو الصادرة بما فيها المواد والمعدات اللازمة لتنفيذ المشاريع الكبرى، حيث حققت الشركة إنجازات في قطاع الشحن الجوي والبحري وخدمات الشحن التي تعرف «من الباب إلى الباب» في معظم المدن الرئيسية حول العالم، وكذلك قطاع التوكيلات الملاحية، الذي يعتبر من أكبر وكالات الملاحة وناقلات النفط في الخليج العربي والبحر الأحمر، وله ممثلوه في مناطق الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية وأوروبا. كما هناك قطاع الآليات والقطاع التجاري اللذان يتكونان من مجموعة من النشاطات التجارية من منتجات صناعية وهندسية بما في ذلك الآلات الثقيلة والخفيفة والكيماويات وتجهيزات حقول النفط، ويزودان عديداً من الشركات بكثير من احتياجاتها، بالإضافة إلى ذلك اتجهت المجموعة للاستثمار في تجارة المنتجات الاستهلاكية لزيادة تلبية رغبات المستهلكين، علاوة على ذلك فإن الشركة لها استثمارات متعددة مؤثرة في شركات عامة في منطقة الخليج كما أن تنوع وتكامل نشاطات مجموعة كانو، بالإضافة إلى الخدمة والتميز في الجودة والمنافسة مع الشركات الأخرى كانت ضمن العوامل المهمة التي ساهمت في نجاح شركات المجموعة. تشير الإحصاءات إلى أن مجموعة كانو تعد من الشركات العائلية الرائدة في منطقة الخليج في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد تصدرت مقدمة الشركات العشر الأوائل في قائمة أكبر مائة شركة سعودية منذ أن بدأت بعض مراكز المعلومات في إصدار هذه القائمة التنافسية التي تعتمد على عدد من المعايير، فضلاً عن أن أغلب شركات المجموعة سواء في الملاحة أو السفريات أو الشحن أو قطاع الآليات أو القطاع التجاري في البحرين والإمارات والمملكة حصلت على شهادة الآيزو، وتسعى المجموعة إلى الحفاظ على ما وصلت إليه من تقدم بين كبرى الشركات في منطقة الخليج، كما تسعى إلى الحصول على شهادة تأكيد الجودة لقطاعات الخدمات الداخلية مثل الشؤون المالية والإدارة، وقد سعت المجموعة ليس فقط إلى الحصول على شهادة تأكيد الجودة، وإنما أيضاً إلى المحافظة عليها لتكون حافزاً لتحسين أداء العمل وتطويره لاسيما أن الجودة باتت اليوم تشكل غطاءً وأسلوباً للحياة نظراً لما تمثله من حماية للموارد البشرية والطبيعية، وتعتبر في الوقت الراهن من أبرز عناصر المنافسة في السوق العالمية. عندما بدأت نشاطات وعمليات كانو تتسع وتنمو باطراد في الخمسينيات، كانت الإدارة المركزية في البحرين تشكل بعض القيود على اتخاذ القرارات لمراكز العمل الأخرى، لذا كان التغيير في الهيكل الإداري ضرورياً للاستجابة للتغيرات الحاصلة في نشاطات وفروع الشركة، ومتطلبات كفاءة وفاعلية العمل، لذلك أصبحت شركات كانو في كل دولة تعمل بصفتها شركات وطنية مستقلة حسب متطلبات التنمية الاقتصادية لكل دولة، لكنها ترتبط ببعضها بعضاً من خلال مجلس عائلي وتجاري، وينعقد المجلس العائلي لجميع أفراد العائلة العاملين في الشركات مرة كل ثلاثة أشهر، كما أن تقسيم الهيكل الإداري للمجموعة إلى قطاعات نشاطات مرنة شجع على عمل كل قطاع بطريقة تنافسية ما ساهم في تطوير نجاحات الشركة، فالهيكل الإداري المكون من قطاعات نشاط رئيس يندرج تحته نشاطات فرعية ذات اتصال نوعي بالقطاع ومتكامل معه، فكل نشاط فرعي في كل مدينة رئيسية له خطته وأهدافه وميزانيته السنوية، لذا فخطة كل قطاع من مجموعة كانو في كل دولة من الخليج ما هي إلا حصيلة لنشاطات وعمليات وحدات العمل والفروع المختلفة، فأسلوب الإدارة بالأهداف والقياس بالنتائج لكل وحدة عمل وفرع المطَبَّقَ في مجموعة كانو كرس فاعلية أداء العمل التي أدت إلى النجاحات التي حققتها مختلف قطاعات المجموعة، وقد ساهم هذا الأسلوب الإداري في منح التفويض الكافي لضمان حرية التصرف في اتخاذ القرارات للمسؤولين لتنفيذ الأهداف والخطط الفرعية، ولكي يظل المسؤولون عن الخطط والبرامج السنوية مطالبين أمام مجلس الإدارة في دولهم بالنتائج المتوقعة منهم، وقد استلزم هذا الأسلوب الإداري وجود خطة عامة لكل قطاع يسعى إلى تحقيقها، وأهداف فرعية محددة، شارك فيها العاملون فرسموها والتزموا بتنفيذها من خلال خطط وبرامج ومعدلات ومقاييس الأداء، فالشركة تعتبر كالإنسان تتغير وتتطور مع الزمن، وقد أصبح عرفاً كل فترة أن تستعين الشركة بشركات استثمارية ذات سمعة عالمية لتستطيع أن تكشف عن أوجه النقص في الشركة، إضافة إلى تنبيه مجلس الإدارة بالأخطاء، واقتراح الحلول التي تراها مناسبة بما فيها دراسة الهيكل الإداري لجعله يتواكب مع تطورات الأنشطة الاقتصادية للمجموعة، ولقد كانت المجموعة من أوائل الشركات في المنطقة التي تستعين بخبرات الشركات العالمية لتحليل عمليات نشاطاتها، ودراسة الهيكل الإداري لتطوير أدائها وتحسين عملها بما يتواكب مع تطورات الأنشطة الحديثة في الشركة. إن اتباع أحدث الأساليب التقنية في الإدارة ونظم المعلومات كان له أثر متواصل في نجاحات الشركة، كما عمل ذلك على تعزيز مفاهيم التخطيط الاستراتيجي لمحاولة فهم المستقبل لأخذ الاحتياطات اللازمة ومواكبة الاتجاهات والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية السوقية سواء في أثناء فترات النمو أو الكساد، ولعل ما يميز بيت كانو التجاري هو التوجه نحو النظرة الديناميكية للعمل والمستقبل لتحديد الفرص الاستثمارية المرتقبة ومعرفة كيفية الاستفادة منها، واستغلال ذلك، فزاد حجم الاستثمارات لأسرة كانو وتنوعت وتطورت بشكل كبير مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج في السبعينيات والثمانينيات. وهناك جهاز من الخبراء المختصين يقوم بمتابعة وتقييم متطلبات خطط التنمية الاقتصادية لكل دولة في الخليج على حدة، ومن ثم تقديم المشورة للشركة وموكليها حول اتجاهات الطلب على المنتجات والخدمات المطلوبة، بالإضافة إلى ذلك فإن التجربة القاسية في الثلاثينيات أثناء الكساد الاقتصادي العالمي ومنافسة اللؤلؤ الياباني للؤلؤ الخليجي، وما تلا ذلك من آثار سلبية، كان لها أثر إيجابي في تنمية الوعي الاستثماري لبيت كانو التجاري، بحيث اتجهت بعد ذلك نحو الإكثار من تنويع الأنشطة وليس وضع كل شيء في سلة واحدة، وعلى الرغم من الحجم الاستثماري الكبير وتنوع الأنشطة والنجاحات الباهرة التي تحققت، إلا أن سياسة كانو ظلت متحفظة بشكل عام، مع عدم التسرع في اتخاذ القرارات الاستثمارية العليا، والأخذ بالجدوى الاقتصادية الشاملة، وكذلك تظل إحدى السمات المميزة لبيت كانو التجاري، ولاتزال، ليس لمجرد السعي فقط وراء تحقيق النجاحات في العمل الاستثماري، وإنما أيضاً لتحقيق الهدف الأكبر وهو كيفية المحافظة على هذه النجاحات بما فيها جودة المنتج والسلعة المميزة. إن استراتيجية كانو الاستثمارية تقوم على توجيه جزء من استثماراتها إلى المساهمة في شركات وطنية مساهمة عامة ومغلقة، وذلك لأن تركيز الاستثمار في مشروع واحد قد يزيد من درجة المخاطرة برأس المال. ولقد قامت الشركة بعديد من المشاريع المشتركة منذ السبعينيات مع شركات عالمية ومع مساهمين محليين في شتى المجالات الصناعية خاصة النفطية والبتروكيماوية من خلال الاستثمار مع شركات صناعية وخدمية، بالإضافة إلى كثير من الشركات المساهمة المغلقة، مثل شركة اتحاد الخليج للتأمين، وشركة مضافات الزيوت العربية السعودية «سالاكو»، وشركة الجزيرة للسياحة، والشركة الشرقية للمشاريع السياحية، إضافة إلى تملك الشركة مع مساهمين آخرين عديداً من المشاريع والشركات والمصانع في دول الخليج، وتعزيز قدرة المجموعة التنافسية من خلال تقديم الجودة والخدمة المميزة والسعر المناسب. وتظل استراتيجية شركة يوسف بن أحمد كانو هي الاستثمار والتعاون مع شركات ومساهمين محليين ودوليين. لقد لعبت عوامل كثيرة دوراً رئيسياً في النجاحات التي حققتها مجموعة كانو، منها تنوع وتكامل الأنشطة وانتشارها في الخليج والتطور التدريجي للشركة على مدى أكثر من مائة عام، والتأكيد على جودة المنتج والخدمة والمصداقية في التعامل مع العملاء المحليين والموكلين من الشركات العالمية والاستعانة بالشركات الاستثمارية العالمية للتوجيه إلى أي قصور في الإدارة، أو في مرونة الهيكل الإداري، وقدرته على الاستجابة للتغيرات الحاصلة في النشاطات في فروع الشركة، وكذلك العمل المتواصل على التدريب، وتأهيل العاملين على تحسين الأداء وتقديم الخدمة المميزة للعملاء، بالإضافة إلى الحرص على معاملة الموظفين معاملة طيبة تليق بهم إيماناً من الشركة بأهمية دور الموظف الذي يعد أساس العمل وأهمية الاستثمار في الموارد البشرية، وتنمية قدراتهم الوظيفية بمنحهم التدريب الكافي والتأهيل المهني المطلوب، كما تمنح المجموعة ثقتها للموظفين وتعمل على تطويرهم إدارياً وخلق الإحساس لديهم بالمشاركة في تحمل المسؤوليات مع الحرص على تعميق الجوانب الإنسانية في محيط العمل بمد يد العون وحل المشكلات التي قد يتعرضون لها سواء في محيط العمل أو خارجه حتى يتفرغوا ذهنياً لأعمالهم مع تطبيق نظام الحوافز والتشجيع للمتميزين منهم لتكون دافعاً لمن هم أقل منهم عطاء في العمل. لقد أنشأت الشركة منذ وقت مبكر مركز تدريب لتأهيل الموظفين السعوديين للعمل في كافة أقسام الشركة ويسعى المركز إلى لعب دور مهم في عملية سعودة الوظائف في فروع الشركة بالمملكة، إيماناً بأن المواطن السعودي هو عماد المستقبل لشركات المملكة، حيث يوجد الآن برنامج خاص لخريجي الثانوية العامة والكفاءة المتوسطة لإلحاقهم ببرامج تدريب متنوعة على مدار السنة وتعيين مَن اجتازوا البرامج للعمل في الشركة. وكانت الشركة تقوم فيما مضى بإرسال البعثات إلى كل من بيروت ومصر والمملكة المتحدة لتدريب الشباب السعودي للعمل في كافة قطاعات المجموعة، وقد لعبوا دوراً فاعلاً في تحقيق النجاحات للشركة، فكثير منهم أثبت ولاءه للشركة على مدى عشرين إلى أربعين عاماً من الخدمة.