تحدثت وكالات الأنباء منذ حوالي أسبوع تقريبا كيف أن سبعة جنود من القوات الخاصة الأمريكية كانوا يدربون قوى الأمن الأفغانية، أصيبوا بجراح في هجوم بقنبلة يدوية جرى في إحدى قواعد ميليشيا أفغانية، ويبدو أن الذي نفذه هو أحد المتدربين. جاء ذلك بالإضافة إلى مقتل ضابطين في الجيش الأمريكي بإطلاق النار عليهما من مسافة قريبة فيما كان يقدمان الاستشارة لوزارة أفغانية قبل يومين من ذلك، ومقتل جنديين أمريكيين آخرين على يد ضابط أفغاني قبل ذلك بيومين أيضا. منذ ذلك الوقت، قتل جنديان آخران. جميع هؤلاء قتلوا أو جرحوا نتيجة حادث مشين لإحراق القرآن، الذي أدى إلى أحداث عنف مهمة ونتج عنه مقتل عدد من المدنيين الأفغان. إحراق القرآن، كما اتضح فيما بعد، كان نتيجة قرارات سيئة من قبل التسلسل القيادي في الجيش الأمريكي في قاعدة باجرام الجوية، جنوب العاصمة الأفغانية كابول. أن تحدث مثل هذه اللامبالاة بالقيم الأفغانية بعد أكثر من عشر سنوات من الاحتلال لذلك البلد، فإن ذلك يوضح أن الحكومة الأمريكية لا تنسى شيئا أبدا لكنها لا تتعلم شيئا أيضا. كانت هناك حوادث قتل عديدة أخرى لمستشارين من القوات الدولية في أفغانستان (إيساف) على يد طلابهم، بما في ذلك ألباني وعدد من الإيطاليين في أوائل فبراير وعدد من الأحداث التي تضمنت مدربين ألمان وفرنسيين.القوات الدولية في أفغانستان (إيساف) تتشكل من عدة وحدات عسكرية من دول مختلفة داخل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد سحبت جميع مستشاريها من الوزارات الأفغانية. الفرنسيون والألمان توقفوا فجأة عن جميع أعمال التدريب إلى أن ينتهوا من إعادة تقييم الموقف. هناك تقارير بأن فرنسا ربما تخطط لمغادرة البلد قبل الموعد المحدد وهناك ضغوط على البرلمان الألماني كي تفعل الحكومة الألمانية الشيء نفسه. الحرب لا تلقى أي تأييد شعبي في كل من أوروبا والولاياتالمتحدة ولا يفهم الناس لماذا تستمر الحرب وما هي الأهداف التي ينتظر أن تحققها. هناك خطر بأن يصبح المشروع الأفغاني بكامله شأنا أمريكيا – بريطانيا محضا تقدم فيه واشنطن 90% من القوة العاملة. وحتى ذلك الاستعداد للاستمرار يجب أن يخضع للشكوك حيث إن قوات (إيساف) تفاوض الباكستانيين والروس لفتح طرق إمدادات جديدة بعكس الاتجاه لإعداد الظروف الملائمة لانسحاب سريع للمعدات العسكرية الثقيلة حتى يمكن إعادتها إلى أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو مؤشر مؤكد بأن مغادرة أفغانستان هي في أذهان الجميع. ولكن إذا كان هناك ما يؤكد العبثية المطلقة ل»مهمة» الناتو والولاياتالمتحدة في أفغانستان فهي الهجمات التي يتم شنها ضد ما يسمى بالمدربين والمستشارين من قبل نفس الأشخاص الذين يدعي البعض في واشنطن أنهم يساعدونهم. في واقع الأمر فقد تقلصت المساعدة إلى مجرد المحافظة على حكومة الرئيس حميد كرزاي في مكانها بالرغم من الفساد المنتشر، وتجارة المخدرات، والفشل في ضمان أمن مراكز التجمع السكاني الرئيسية في البلد. في الريف، يعرف الأفغان أن هناك قوات احتلال أجنبية تحتلهم حتى لو لم يفهم البنتاغون والبيت الأبيض وبروكسل ذلك بشكل واضح. كان هناك تأييد شعبي شامل للتدخل الأمريكي في البداية في أفغانستان في أواخر عام 2001 لأنها كانت ملاذا للإرهابيين، واستطاع تنظيم القاعدة أن يشن هجمات 11 سبتمبر انطلاقا منها. كنت في الواقع أحد أوائل الضباط من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الذين وصلوا إلى أفغانستان بعد سقوط طالبان. كان يجب أن نمتلك الحكمة لنعرف أن أفغانستان يجب ألا يتم اعتبارها مشروع بناء دولة طويل الأمد. كان على واشنطن في تلك الفترة أن تدفع باتجاه تحقيق الاستقرار قدر الإمكان، وأن تقوم بتسليم السلطة لحكومة عميلة مع توضيح أنه في حال عودة الجماعات الإرهابية فإن ذلك سيتطلب ردا عسكريا قويا. وأن تغادر بعد ذلك الأراضي الأفغانية. كان على أحد ما في إدارة الرئيس جورج بوش أن يدرك أنه ليس بإمكان أحد أن يحقق الاستقرار والنظام في أفغانستان سوى الأفغان أنفسهم، إذا كان ذلك ممكنا في الأساس. التدخل الخارجي في السياسة الأفغانية لم يثبت أبدا سوى أنه سياسة كارثية. اسألوا الروس وقبلهم البريطانيين. أحداث القتل الأخيرة تبين أن الأمر لا يتعلق بجدول زمني يحقق النجاح. مغادرة أفغانستان في عام 2013، أو 2014، أو حتى في 2020 كما يفضل بعض القادة العسكريين الأمريكيين لن يغير شيئا على المدى البعيد. إقامة بلد جديد في أفغانستان وتشكيل جيش وطني يستطيع أن يدعم جمهورية دستورية تشبه إلى حد ما النموذج الغربي هو مجرد وهم. تشكيل الجيش الأفغاني سيكون مضيعة للوقت والموارد طالما أن المتمردين المسلحين مستعدون للقتال في الوقت الذي لا يبدي فيه الجنود الحكوميون نفس الاستعداد. كان على واشنطن وقوات الناتو أن تغادر أفغانستان منذ زمن طويل وأن يوفروا حياة آلاف الجنود الأمريكيين وجنود الحلفاء الذين قتلوا في العمليات الحربية، وكذلك حياة عشرات آلاف الأفغان الذين ماتوا في حرب لم تصبح فقط الأطول في تاريخ الولاياتالمتحدة، لكنها لا تزال بلا جدوى مطلقا ولا يمكن تحقيق النصر فيها.