أيهما أهم الصورة أم الأصل؟ وإذا كان الجواب بداهةً أن الأصل هو الأهم، فلماذا إذاً ننشغل بتحسين صورة الشيء عوضاً عن تحسين الشيء نفسه؟ فلنفرض أن شخصاً عندما نظر لانعكاسه في المرآة رأى ما لم يسر ناظريه، وكان رد فعله أن قام بتلميع سطح المرآة مرة واثنتين وثلاثاً متوقعاً في كل مرة أنه سيحصل على انعكاس أجمل، فهل نراه محقاً؟ وعندما يبيع آخر بضاعة معينة فهل الأولى أن يسعى لتحسين جودة منتجاته أم يصب اهتمامه على معالجة صور المنتجات والحرص على إخراجها في أبهى حلة؟ في لقاء تليفزيوني سُئلتْ سيدة سعودية قد حظيت بنصيب وافر من العلم والمنصب، عن وضع المرأة السعودية، فأجابت بأن المرأة السعودية في أحسن حال، بإنكار لقضايا المرأة المتعددة. لعلّ هذه السيدة المترفة لم تدخل أبداً محكمة أحوال شخصية وتجلس في إحدى صالات الانتظار لتسمع قصص المستضعفات في الأرض؛ قصصاً لن تقرأها على أغلفة الصحف ولن تراها في عناوين نشرات الأخبار .. نعود لتلك الفاضلة التي كان تعليلها بأن المرأة السعودية قد نالت التمكين -من ذيله- إذ أنها دخلت مجلس الشورى كعضوة والمجالس البلدية كناخبة ومصوتة فماذا تريد حقوقاً أكثر من ذلك! نعم لا شك هي دخلت المجلسين؛ لكن ما بين المجلس والآخر أطياف ودرجات من مشكلات العضل والولاية والتعنيف والنفقة والطلاق وإثبات الأبوة والضرر. كثيرون من باب التماس العذر لإجابة السيدة، قاموا بتبرير إجابتها المضللة بأنها كانت من باب تحسين صورة وضع المرأة السعودية لدى الغرب. لعلني من أولئك الناس غريبي الأطوار الذين ترتسم أمام أعينهم علامة تعجب واستفهام كلما سمعوا عبارة أن الهدف من القيام بشيء معين هو تحسين صورة كذا لدى كذا.. أياً ما كان السياق الذي تظهر به تلك العبارة الرنانة سواء كان الهدف من فعالية أو محاضرة أو مؤتمر أو جمعية أو حتى مقال هو «تحسين الصورة» فإنني أجدها مستفزة ومدعاة للتأمل في أحسن الأحوال. إن مزاعم ترفع شعارات تحسين الصورة لا تخلو من رسائل ضمنية أبرزها أن الشيء المراد تحسين صورته هو في الواقع خطأ أو سيئ، وإلا ما جدوى تحسين صورة ما هو حسن أصلاً؟ وكأننا بذلك نقول -بشكل أو بآخر- بأنه لا يهم إن كان الشيء على حقيقته سيئاً طالما أننا نبث عنه صورة إيجابية! كما تؤكد تلك المزاعم أهمية استحسان الآخر لنا وكأن ذلك الرأي هو بمنزلة القول المعصوم! كثير من الموارد كالوقت والمال والجهد البشري التي تُبذل لتحسين صورة شيء كانت ستكون أجدى وأنفع لو أنها استُثمرت في إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح فعلاً، فربما نحن أحوج بشكل أكبر للانشغال والتركيز على تحسين أصول الأشياء، وبذلك تلقائياً ستكون انعكاساتها وصورها أفضل.