الحادث الشنيع البشع على الشاطئ اللازوردي في مدينة نيس الفرنسية، كان أقبح من أن تتبناه جهة على وجهة الأرض إلا من ارتضت نفسها لذلك وجعلت من أتباعها أيقونة الجرائم الأكثر وحشية وغرابة على سمع هذا العالم وبصره، والمقصود هنا منظمة من تسمي نفسها «الدولة الإسلامية» وكما تعرفها الأوساط الإعلامية بمسمى «داعش». خطورة القصة في فرنسا أن حوادث الإرهاب تجدد نفسها بشكل أسرع مما تستطيع أن تتعقبها أجهزة الأمن، لتحاول أن تبدع في هذا المجال الإجرامي بشكل يفوق ما يستطيع خبراء الإرهاب أن يتوقعوه، لذا كانت عمليات تجييش طائرات مدنية لمواجهة الأبراج السكنية والتجارية في سبتمبر 2001 إحدى أولى قفزاتهم الذهنية الشيطانية في فكرة المعاقبة الجماعية ليحولوا العالم إلى ساحات معارك غير متوقعة في أزمان غير متوقعة ويذهبوا بالأمن والسلام بين الشعوب إلى خانة الأمنيات بدل أن كان واقعا يرسخ نفسه حتى وإن كان مختلا في بعض أجزائه. فرنسا الدولة والوطن والتاريخ هي من بين أقرب القوى العالمية لمنطقتنا، والأكثر تفهما لأزماتنا، والأقرب تفاهما مع حكوماتنا، ولعل مواقفها من رفض الحرب الأمريكية والبريطانية على العراق في 2003 والحيلولة دون استصدار مشروع قرار من مجلس الأمن لهذه الحرب يعطي شرعية لهذه الحرب العبثية هو أكثر ما تذكره الشعوب العربية عن الأدوار الجيدة لفرنسا التي جعلت من وزير الحرب الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد يسمي الدول الأوروبية الرافضة للتصرف الأمريكي بأوروبا القديمة أو أوروبا العجوز ليصف فرنسا وألمانيا في مواقفهما المناوئه لتلك الحرب. بعيدا عن التاريخ الاستعماري المليء بالأوراق السوداء، فمواقف فرنسا الحديثة فرنسا الجمهورية الخامسة فرنسا شارل ديغول الذي عانى مع بلاده ويلات التسلط النازي على أرضه، كانت في جلها مواقف قريبة من المبادئ الداعمة لحقوق الإنسان وللبلدان المستضعفة ولعلها في التاريخ الحديث هي الأقرب من بين القوى العظمى في دعم الحقوق الفلسطينية والبحث عن سلام عادل في أزمة الشرق الأوسط. لذا تجد العبثية في فوضى الكراهية الحاصلة حين تستهدف بلادا هي الأقرب لقضايانا في وقت نرفض فيه أن تستهدف أي منطقة في العالم بهجوم إرهابي لا يميز البريء من المعتدي.