هناك التباس في استيعاب مفهومي التراحم والتعاقد يحتاج إلى تفكيك ودراسة من قبل الباحثين في علم الاجتماع؛ لمحاولة فهمهما بصورة أفضل. ففي المجتمع التراحمي يتم التركيزعلى الواجبات الاجتماعية والأخلاقية التي تقوم على الدين والعرف، بينما نجد أن التعاقد يصل إلى الحد الذي يجعل الزوجين يتقاسمان فاتورة الطعام في المجتمع التعاقدي. في المجتمع التراحمي يتم التنقل بين التراحم والتعاقد، وأعرف شخصين كان أحدهما يمرعلى خصمه بالسيارة ليتناولا طعام الإفطار ثم يذهبان إلى المحكمة ليتقاضيا أمام القاضي. في المجتمع التراحمي تقدم الأخلاق على التجارة، ومن صور ذلك إصرار البعض على شراء منتجات وسلع الأفراد والأسر الفقيرة، وإلحاح البائع على الزبون لدفع مبلغ أكبر مقابل سلعته لأنها مصدر رزقه الوحيد. وأعرف إحدى القريبات التي كان يلح عليها أحد أقربائها لشراء ملابس من متجره؛ لتقوم بلبسها أمام النساء في المناسبات للترويج للملابس التي في متجره. وعلى الرغم من أن الزواج عقد، فإن التراحم فيه يجب أن يكون الأولى حتى تستمر الحياة الزوجية (ولا تنسوا الفضل بينكم). وإذا تأملنا في طريقة علاج القرآن للظوهر الاجتماعية نجده يبدأ بالإجراءات التراحمية التي تتدرج حتى تصل إلى التعاقد. في الحكم بين الزوجين طلب إحضار حكمين من أهلهما لأنهما أقدر على تجسيد التراحم بين الزوجين. نحتاج إلى الجمع بين التعاقد والتراحم وجعلهما منظومة تكاملية واحدة، وإذا غلب علينا التعاقد في التجارة والأعمال،علينا أن نجعل التراحم هو الأولى في الحياة الخاصة. وبما أن استغلال التراحم يضعف ثقافة التقاضي، فإننا بحاجة إلى التعاقد للحفاظ على الحقوق. وكون الشركات والمؤسسات تقوم على التعاقد، ذلك لايعني تخليها عن الحد الأدنى من التراحم ومراعاة الظروف الاجتماعية والإنسانية لموظفيها ومجتمعها وتضمين المؤشرات التراحمية في قائمة مؤشرات نجاحها.