البناء الفكري للعقل البشري يعتبر من أهم مقومات الصحة النفسية؛ لأن كل ما يتعلق بالشوائب التي يمتصها الدماغ بما فيها من معتقدات باطلة أو أفكار تم تشويهها لتتناسب ومصالح أصحابها، كل ذلك يعتبر عائقاً للنمو كمرحلة أولى وللنضج العقلي كمرحلة أخيرة يحتاجها أي إنسان ليتطور ويطوع مهاراته وكفاءاته لخدمة الآخرين. وحينما يتم استخدام أدمغة الشباب أو القصّر لتحقيق مآرب سياسية تحت غطاء ديني، وتكون نهايتهم ستاراً يسدل على حياة الشخص نفسه؛ إذ يتم استنبات آخرين مثله لنفس الغرض طالما سوق العرض والطلب للأضحيات البشرية قائم. واحتواء عقول الشباب رغم أهميته (كون المصادر التي تتلقف دماغه كثيرة ومتنوعة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي)، فإن هذا الاحتواء إن لم ينمُ تبعاً لأساليب وأدوات العصر التي يفهمها الشباب وتحاكي تطور عقولهم فسيستمر حمام الدم تحت مظلة تكفير الآخرين والجهاد لدخول الجنة بكل الطرق الآثمة. كلنا يعلم أن البيت، المدرسة، المسجد، الأنشطة الاجتماعية بمختلف أنواعها، الإعلام بشتى وسائله، كلها وسائل يمكن من خلالها ترقية الوعي الفكري بأسلوب ترغيبي وليس ترهيبي كما اعتدنا سماعه. وكلما كانت مساحة الحوار أكثر رحابة كلما كان المجال مفتوحاً لتبادل المشاعر والأفكار (مهما كانت غريبة أو غير منطقية) وتعديل مسارها أو تصحيحها أو التأكيد على مصداقيتها. نحتاج أيضاً أن يتوقف الإعصار الداعشي في الفكر بقوة دون اللجوء لإقصاء وعي الشباب وقدراتهم العقلية بل بالتوحد مع تنويرهم ورفع كفاءة أحكامهم على الأمور بأبعد ما يمكن أن يورطهم ويزج بهم في فخ تطبيع أمزجة القتل والتدمير لصالح فئة ضالة لا همّ لها سوى تفرقة وحدة المسلمين.