فيما مضى كانت الأسرة هي النواة الأولى لتكوين المجتمع، وكان عليها المعول في بناء وتشكيل قيم وهوية أفرادها، بما يتواكب مع هوية المجتمع الذي تعيش فيه، وكانت الأسرة تتعاون مع المجتمع المحيط بها والمجتمع الكبير في تبادل للأدوار فيما بينهم ومساندتهم لبعضهم بعضاً. فكان التكاتف المجتمعي يعطي للجار الحق في أن يتابع ابن جاره، بل ويحاسبه إن شاهد منه خطأً. كانت القيم التي تعيشها الأسرة تتواكب مع قيم الحي وقيم المدرسة وقيم الإعلام وقيم النادي الثقافي، فيعيش الطفل والشاب في مجتمع متكامل ومتسق في قيمه، مما يجعل منه مستقراً نفسياً. أما الآن، فقد جعل الانفتاح الإعلامي والتقني من العالم قريةً واحدة، وأصبحت القيم التي تعيشها الأسرة تتعارض مع قيم الشارع والمدرسة والشبكة الاجتماعية والإعلام الفضائي، فأمسى الطفل والشاب يعيش تناقضاً مخيفاً، وصراعاً عنيفاً مع النفس. إن الوسائل التي تتعامل بها أسرنا هذه الأيام بحاجة للتجديد حتى تتواكب مع المتغيرات. فبدأً ببناء ثقافتها بهذه المتغيرات، والاندماج مع هذا الجيل الرقمي في وسائله، مما يتطلب الاهتمام أكثر ببناء المهارات التربوية، والاستفادة من وجود البرامج التي تقدِّمها المنظمات غير الحكومية من جمعيات وغيرها في الاهتمام بالنشء، بجانب زيادة التواصل الأسري وإيجاد برامج أسرية على مستوى الأسرة الصغيرة والكبيرة مما يزيد من أواصر الارتباط بالكيان والمحافظة على الهوية. وينبغي علينا إدراك أن هذا الجيل – كما عبَّر عنه كثير من علماء النفس والطب والتربية – هو الجيل الرقمي (Digital Generation)، وهو مصطلح أطلق منذ العام 1980م، ويتسم هذا الجيل في تعريف المصطلح بسمات خاصة به، كاعتماده على عالم الصوت والصورة معاً، وعلى قصر مدة التركيز الذهني فهو يحتاج كل 7 – 10 دقائق من التركيز إلى عنصر مشوّق قبل أن يعود إلى التلقي مرة ثانية، كما أنه يحب الحوار والنقاش، وقد لا يتأثر بالقدوة المحلية والمحيطة كالأب والمعلم والجار لأن هناك من «يشوشها» عليه، ولذلك نتج عنده اضطراب القيم أو الهوية فهو يحتاج إلى المساعدة لاسترجاعها. إن الدور الرقابي للأسرة – برغم أهميته – لم يعد المؤثر الأول، ولذلك لزم الانتقال إلى بناء الرقابة الذاتية للأولاد، وذلك يتأتى بالتركيز على التربية الإيمانية وربطهم بخالقهم وتحفيز الاهتمام بالعبادات المتنوعة.