يمكن لنا تعريف الإيجابية بشكل عام كنوع من الحالة الذهنية والطاقة والدوافع التي تحكم الفرد والمجتمع والمؤسسات لتحقيق أهدافها رغم وجود المعوقات والصعوبات، بل والتأقلم مع المشكلات والسلبيات بحيث يكون تأثيرها شبه معدوم على الفكر والعمل والطموح. قال الله عز وجل (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم). فهنا نرى في هذا المثل الرباني كيف وصف الله السلبي ب «الثقيل الكسول وهو لا يأتي بخير»، بينما الإيجابي هو الذي «يأمر بالعدل» كما أخبرنا ربنا بذلك. إنها الإيجابية التي سطَّرتها سيرة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في حواراته ومشاوراته وابتسامته وعطفه وكرمه على أصحابه رضوان الله عليهم. قال عليه الصلاة والسلام: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها». فبين صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم إيجابيّاً حتى قيام الساعة وآخر آيام عمر الإنسان. الحياة العصرية بمتطلباتها وتسارعها واتجاهاتها الجديدة في القيم والمبادئ العصرية أصبحت عناصر لا يمكن تجاهلها في البيئة الحياتية للفرد والمجتمع والمؤسسات. وكذلك اختلاف طباع الناس وأخلاقهم واتجاهاتهم وعاداتهم هي الأخرى مصدر مهم للإنسان في حسن اختياره لطرائق وأساليب الاتصال الصحي بينه وبين الأفراد. وفي أدبيات علم الإدارة، إن نجاح بيئة العمل في تحقيق أهدافها رغم وجود المقاومة والصعوبات هو نوع من أنواع الإبداع والإيجابية في إطفاء هذه العناصر والحد من تأثيرها. إن ذلك يُعد من الإبداع من خلال عمل الفرد مع الأفراد السلبيين وعدم التأثر بهم، بل والمحافظة على العلاقة الإيجابية معهم للتأثير عليهم مستقبلاً. على الفرد ترميم ما يعكر صفو العلاقات الإنسانية مع الأفراد والمحيطين والرؤساء لتمكين الاستقرار والأمان النفسي للفرد والمؤسسة تبعاً لذلك. إن الشخصية الإيجابية في الحياة هي شخصية مؤمنة ومتوكلة على الله، تستمد من القيم العليا طريقاً للتعامل في حياتها. هذه الشخصية الإيجابية بعيدة «بشكل حقيقي وليس تنظيريّاً» عن الغيبة والنميمة وما في يد الأفراد من النعم. هي شخصية تعتمد الأمانة والصدق في التعامل وتكره الكذب والتدليس في عملها وتعاملها. إنها إيجابية في الحياة لأنها ذات رؤية ومخططة للمستقبل بأدوات الحاضر وبنفس هادئ لا يتعكر بالعجلة! تأخذ الشخصية الإيجابية الأمور ببساطة وعدم تحميل المواقف الحياتية والعملية أكثر مما تحتمل، هي شخصية تساعد الآخرين وتقوم بحل المشكلة بشكل فوري أو تتجاهلها إذا عجزت عن حلها! في إيجابية حياة الأفراد والمؤسسات لابد من التركيز على العناصر الإيجابية وتعزيزها وعدم الانشغال بالمُلهيات وهيمنة السلبيات، وأن يكون التعامل خالياً من التعقيدات والتكلف المصطنع. التعامل والتعايش مع شخص إيجابي يجعل الحياة ممتعة وكذلك العمل مع شخص إيجابي يجعل العمل أكثر إنتاجية. في بيئات العمل، على الفرد أن يكون مرآة لأخيه وذلك من خلال تبادل النصح والتوجيه وتقبل وتجاوز الأخطاء غير المقصودة واستيعاب النقص والخلل لدى الأفراد في الخلق والمعرفة والمهارة. على ولي الأمر ورب الأسرة أن يكون إيجابيّاً مع أسرته. يتغاضى عن أخطاء الزوجة في تعاملها في شؤون بيتها ويطفئ سلبياتها من خلال التركيز على الإيجابيات في الطبخ والنظافة والاهتمام بتربية النشء. الإيجابية في المنزل بمساعدة الزوجة في أعمال المنزل ولنا في ذلك قدوة في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. الإيجابية مع الأطفال في تحمل أخطائهم وإعطائهم مساحتهم الكافية في التعبير والمرح والإجابة على جميع تساؤلاتهم والاهتمام بمواهبهم واهتماماتهم. الإيجابية مع الطفل ترتكز على الثناء وتبتعد قدر الإمكان عن النقد والتجريح، بل والمشاركة باهتمام في أعماله ونشاطاته، وتنمية إحساس الطفل بالأمان مع المحيطين به. إن الفكر السلبي وما يتبعه من مواقف سلبية واتجاهات سلبية كفيلة بحرق الإنسان نفسيّاً، إنها عربون للفشل وابتعاد للفرد عن أهدافه وقيمه ومبادئه. الفكر السلبي بمختلف أنماطه سبَّب كثيراً من الإشكاليات الاجتماعية والعملية داخل المؤسسات، وهو السبب في توقف مسيرة العطاء والإبداع والإنجاز لكثير ممن تأثر به. إن التفكير الإيجابي موقف ذهني يحمل الفرد على النظر للكأس الممتلئ، فيرى الحياة الجميلة المشرقة في نفسه أولاً ثم أسرته ومجتمعه وعمله. هذا الإطار الإيجابي للأفراد والمجتمعات والمؤسسات يعطي الجميع أصواتاً جميلة في بيئات عملهم تقول «بمقدورنا أن نعمل ذلك»،«قيمي تعني إتقان عملنا»، «أنا أسامح الجميع فالمسامح كريم»، «وأنا مبتسم دائماً».. بعد ذلك سنكتشف الوجه المشرق من الاستمتاع مع الذات ومن حولها! خاتمة: قال علي رضي الله عنه في وصف تعامل الرسول عليه الصلاة والسلام مع جلسائه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش، ولا عياب ولا مشاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً، ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام».