على مدى خمس سنوات استطاعت جمعية الأشخاص ذوي الإعاقة في الأحساء تجسيد ما يمكن نعته بديمومة أثر العمل الإنساني، وذلك من خلال برنامج التدريب الزراعي لذوي الإعاقة العقلية البسيطة المنتهي بالتوظيف، البرنامج الذي مثَّل اصطفافاً فريداً من نوعه لعدة قطاعات وطنية حكومية وخاصة وأهلية؛ سعياً نحو شراكة متألقة، جمعت بالإضافة إلى الجمعية كلاً من بنك الرياض ممثلاً في إدارة خدمة المجتمع، وهيئة الري والصرف في الأحساء ممثلة في إدارة الإرشاد الزراعي، ومخابز فوشيه. ولكَ أن تتصور عزيزي القارئ عزيزتي القارئة كيف يمكن أن يتم استقطاب ثلة من شباب الوطن المحكوم عليهم سلفاً بالسلبية الاجتماعية، وفي غضون 6 أشهر من الورش المكثفة هي مدة البرنامج التأهيلي الزراعي تم تحويلهم إلى سواعد بناء، وأياد منتجة إيجابية تسهم في تأمين مستقبلها عبر وظيفة زراعية يحظى بها المتدرب بعد اجتياز البرنامج، كل هذا وأكثر مساهمةً في نهضة ونماء الوطن، ولتغدو تلك الأيادي لبنة صالحة متوهجة عطاءً وتألقاً! وأن تنجح في تجربتك الأولى في خوض برنامج جديد كلياً فلاشك بأنك قمت بعمل جدير بالافتخار به، لكن أن تكرر تجربة النجاح، وتعمل على تطوير معطياتها وآلياتها، فإن نجاحك حينها يكون قد دخل حيز التفوق والخبرة، وهذا تحديداً ما جعل الجمعية تجد نفسها أمام برنامج نوعي، تدفع إلى حيث تكريسه بصفته مثالاً يحتذى به للبرامج المماثلة المنتهية بالتوظيف، تلك التي يستمر عطاؤها مدى الحياة، وتترك بصمتها على تطلعات أبناء الوطن من هذه الفئة الغالية؛ ذلك لأنه من الطبيعي أن يعطي العمل القائم على روح الشراكة المجتمعية والمسؤولية الاجتماعية الاحترافية نتائج مذهلة في ميدان العمل الإنساني والخيري، وهو ما دفع بنك الرياض إلى تقديم دعم كبير منذ الوهلة الأولى، أعني منذ كان البرنامج مجرد فكرة على الورق، حيث تعهدته يد المسؤولية الاجتماعية في بنك الرياض الرائد بعمقه وثقله الاقتصادي الوطني في المملكة العربية السعودية وبمشاريعه الاجتماعية الخلاقة والمتميزة بأبعاد غاياتها طويلة المدى ليستمر في تخريج الدفعة تلو الدفعة، وليصل بالبرنامج إلى الدفعة الخامسة بفضل الله تعالى، أضف إلى ذلك ما لقيه البرنامج من ترحيب كبير من إدارة هيئة الري والصرف في الأحساء التي استضافته وسخَّرت إمكاناتها وقدراتها في سبيل تحقيق تطلعاته وإنجازاته، وهو ما ينمُّ عن وعي المسؤولين في الهيئة بأهمية دعم قضايا الإعاقة وتذليل السبل من أجلها. لقد تكللت تلك الشراكة المتميزة بتحقيق البرنامج، بفضل الله تعالى، جائزة صاحبة السمو الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز، رحمها الله، في دورتها الثالثة التي حملت عنوان «التمكين الاجتماعي والاقتصادي لذوي الإعاقة»، الأمر الذي وجدناه خير حافز لبذل مزيد من الجهد، والتماس السبل المفضية إلى استحداث برامج مماثلة، تستهدف مختلف الإعاقات، والمثابرة في تحقيق القيم النبيلة التي تشي بها مفاهيم الجائزة الأخلاقية، تلك التي تتسق مع قيمنا وقيم شركائنا؛ إذ إن هذه الجائزة التي حظي بها البرنامج لن تكون سوى منصة إبداعية دافعة نحو الارتقاء بالمعايير المنظمة للشراكات المجتمعية الرائدة، والمنظومات الخيرية الواعدة على اختلافها نحو نموذج خيري تنموي مشرف، كما أن الجائزة دافع كبير لتطلعات أفضل، وتطوير دؤوب مثمر، فتحقيق جائزة بهذا الحجم من شأنه أن يلقي على عاتق الجمعية وشركائها مسؤولية مجتمعية مضاعفة، تقتضي تنامي الجهود، وتجديد الأفكار بما يحقق ثقة أمانة الجائزة، وبما يخدم الأشخاص ذوي الإعاقة، ويعمل على تمكينهم في المقام الأول. وهنا بالطبع لن تكون محطة الوصول، بل المحطة التي نتزود فيها لنكمل مسيرة التميز والنجاح بالبرنامج بصحبة شركائنا الذين نعتز بهم وبقيمهم الاجتماعية. اليوم وكما هي نشوة الفلاح بلحظات جني الثمار، لقد آن لنا ولشركائنا بعد أن تمكن البرنامج، ولله الحمد، عبر دفعاته الخمس من تخريج ما يربو على 77 شاباً من ذوي الإعاقة العقلية البسيطة، حظي جلهم بوظائف زراعية في عدد من القطاعات الحكومية والخاصة، آن لنا أن نجني ثمرة ما تعهدناه من غرس على مدى خمس سنوات، فمَنْ جدَّ وجد، ومَنْ زرع حصد، وشكراً بنك الرياض فالأشجار لا تقذف إلا الثمر!