تعصف بدول الشرق الأوسط على وجه التحديد تحدّيات في الشأن السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والمرتبطة بالتحدّيات الدولية المتمثلة بالركود الاقتصادي وأسعار النفط والتدخلات الدولية وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعصف بعالمنا المعاصر في ظل معاناة دولة الصين من الركود ونسب النمو المتردية في الاقتصاد ومروراً بارتفاع الدين العام الأمريكي لمستويات قياسية غير مسبوقة. وفي المقابل اجتاحت دول الشرق الأوسط الفوضى الخلّاقة التي تلحفت بعباءة «الربيع العربي» مستغلة بعض الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتدمير المكتسبات وخلط الأوراق باستخدام مطية الدين والخلافات المذهبية وتأجيج الطائفية لتحقيق مكتسبات في الأرض والزمان على حساب الثوابت ولو كان ذلك بالقتل والتدمير والتهجير أو بيع المتبقي من القيم العربية والإسلامية وروابط أوطان المنطقة. هذه الظروف التي تُعد استثنائية بالنظر إلى التاريخ القديم والمعاصر في كثرة اللاعبين والمساحات الضيِّقة لكل طرف لتحريك أوراقه، ساهمت بأن يتصدر ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «لعاصفة في الإصلاح الإقليمي» تمثلت في عدد من المبادرات والزيارات خلال الفترة الزمنية الماضية. تمثلت الزيارة التاريخية لدولة باكستان البداية الحقيقية لعهد الشركات الاستراتيجية في زمن التكتلات الكبرى لدولة تُعد الأولى إسلامياً في القوة العسكرية. ساهمت هذه الزيارة في بلورة شراكة من نوع خاص لبلد يملك الإمكانات البشرية والعسكرية ليكون في حلف إسلامي عسكري في الحرب على الإرهاب والإنتاج والتدريب الحربي للقطاعات العسكرية للخليج العربي وللسعودية على وجه الخصوص. في قلب العروبة مصر، رسمت زيارة ولي ولي العهد السعودي لمصر وزيارة خادم الحرمين التاريخية في وضع النقاط على الحروف لدعم العمق الاستراتيجي لأهم بلدين عربيين مؤثرين على الساحة الدولية. تمثلت الاتفاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وترسيم الحدود التي قام بهندستها وصياغتها الأمير محمد بن سلمان، ليمثل التنسيق مع مصر انطلاقة حقيقية لحل المشكلات في المنطقة، ولرسم مستقبل مشرق لمصر والسعودية من خلال التكامل لجناحي الأمة العربية اقتصادياً وسياسياً في زمن التحالفات الكبيرة! بهدف تعزيز وحماية الأمن الوطني والإقليمي للدول العربية. وفي السياق نفسه كانت زيارات الأمير محمد بن سلمان لدول الخليج العربي والمستمرة خلال الفترة الماضية لضبط إيقاع نغمة العمل المشترك في قضايا المنطقة على مستوى المنظومة الدولية، ليكون الصوت الواحد للمجموعة الخليجية في التعامل مع قضايا المنطقة، ليعكس الحالة الجديدة والمتجددة للدبلوماسية السعودية- الخليجية التي ترتكز على وحدة المصير وتستمد قوتها من وحدة الكلمة لدول لها مكانتها الاقتصادية والسياسية في المحافل الدولية. في ظروف بالغة التعقيد، تأتي زيارة ولي ولي العهد للولايات المتحدةالأمريكية لتشكِّل تحدياً حقيقياً في التوافق وفق صيغة شراكة حقيقية للملفات المهمة التي يحملها -حفظه الله- لصناع القرار وللمؤسسات التشريعية والتنفيذية الأمريكية. فالمباحثات السياسية شملت وتشمل الشكوك العربية والخليجية من الدور الأمريكي وحالة التقاعس نحو قضايا المنطقة التي أدت لدخول لاعبين جدد لمسرح الشرق الأوسط، يطمعون بأدوار أكثر عمقاً وتأثيراً في ظل بُعد الإدارة الأمريكية الحالية عن قضايا الشرق الأوسط. كان لملف سوريا والعراق وليبيا واليمن وتدخلات إيران بالمنطقة نصيب من المشاورات السياسية مع الإدارة الأمريكية التي جاء على لسان وزير خارجيتها أنه «لولا السعودية لما وجدت مجموعة الدعم لسوريا» لتبيِّن لنا الإيجابية في المداولات التي يقوم بها الفريق السعودي بقيادة ولي ولي العهد. امتدت المداولات مع وزير الدفاع الأمريكي للوصول لصيغة جديدة من العمل المشترك الذي يتمثل في تفاهمات دفاعية استثمارية مع الولاياتالمتحدة تضمن تصنيع السلاح في المملكة بدلاً من استيراده. خلال مباحثاته مع الوفد السعودي قال وزير الدفاع الأمريكي كارتر « إن الرياض شريك أساسي في محاربة الإرهاب والجميع شاهد لنجاحها في الحرب على القاعدة» ليبيّن مدى الارتياح للدور السعودي مع المنظومة الدولية في مكافحة الإرهاب على المستوى الفكري والعسكري محلياً وإقليمياً ودولياً. كان لرؤية السعودية 2030 وما تفرَّع عنها من مبادرات خاصة خطة التحوُّل 2020 ومواضيع الطاقة والطاقة البديلة مساحة مهمة في النقاش والتباحث في زيارة ولي ولي العهد – حفظه الله- للرئيس الأمريكي في البيت الأبيض ومباحثاته مع وزير الخارجية والتجارة والدفاع ورئيس الاستخبارات ورئيس مجلس النواب وأعضاء مجلس الشيوخ ورجال المال والأعمال في أمريكا. فلقد أبدى الرئيس الأمريكي اهتماماً بالغاً بالرؤية واهتم بمعرفة التفاصيل الدقيقة مبدياً إعجابه بالجهد المبذول لإعدادها. أسست هذه الزيارة بملفاتها الاقتصادية الجديدة لعهد جديد من العلاقة السعودية الأمريكية التي تعتمد على المصالح المشتركة والتعاون المتبادل للبلدين من خلال دعم البلد الأقوى اقتصادياً في العالم والقوة العسكرية العظمى لرؤية المملكة 2030 ومبادراتها. لقد أكدت الزيارة أن سياسة المملكة ثابتة، وتتسم بالمسؤولية فيما يتعلق بالطاقة وهي جاهزة لسد النقص في السوق وسعي المملكة للتوازن بين الطلب والعرض. كما أكدت الزيارة سعي الحكومة لتنفيذ مبادراتها الخاصة بالطاقة المتجددة والاستفادة من التجارب الدولية والأمريكية على وجه التحديد من خلال استقطاب الشركات الأمريكية للاستثمار في هذا الجانب. وفي لقاء ولي ولي العهد مع الفريق الاقتصادي في الحكومة الأمريكية، بيَّن -حفظه الله- أهمية التركيز على الصناعة المحلية سواء من السعوديين أو المستثمرين بدلاً من ثقافة الاستيراد. إن خطوة إعطاء رخصة لشركة أمريكية بنسبة 100% في السوق السعودي وما يليها من تراخيص تعطي فرصة مهمة للمنافسة وتحسين جودة المنتجات وتوليد الوظائف في المملكة العربية السعودية. وفي السياق نفسه، فإن الزيارة المرتقبة لولي ولي العهد السعودي لوادي السيليكون بولاية كاليفورنيا الذي يحتضن شركات التقنية الأمريكية مثل أبل وغوغل وميكروسوفت وإنتل وياهو وتويتر وغيرها، لتؤكد حرصه -حفظه الله- لتوطين ونقل تجارب التقنية للمملكة من خلال شراكات استثمارية واعدة. إن هذه الزيارة هي رسالة سلام واطمئنان للعالم أجمع أن أسس المملكة السياسية والاقتصادية ثابتة ولا تتغير من خلال الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤن الخاصة. في هذه الزيارة تم شرح مسارات المملكة ومبادراتها الجديدة التي تطمح «لاستقطاب وشراكة» الشركات الأمريكية من خلال الشراكات الحقيقية مع الولاياتالمتحدة ومراعاة المصالح المشتركة التي يمكن تلبيتها وفق معيار النفع المتبادل باستثمارات تلبي هذه الشراكة الاستراتيجية.