لعلك الآن في مثل عمري، وتفكر في المرحلة الدراسية الشاقة والجميلة التي خضتها بالدموع المنهمرة من أجل درجة واحدة، أو القهوة التي شربتها كيلا تنام الليل وتدرس، لعلك الآن طالب في المدرسة، تفكر في طموحاتك، أهدافك، والحياة التي تلي جهدك في الحصول على الشهادة الدراسية. هذا التعليم الذي تنادي به جميع الدول والمجتمعات، المتقدمة منها والمتدنية، ويحرص عليه كل بيت من أجل التطور، ومن أجل الحصول على حياة مناسبة، لكن السؤال: هل صحيح أن التعليم يوفر لنا حياة مناسبة، وهل هو بتلك الأهمية في مجتمعاتنا الخليجية خصوصاً؟ في الواقع إن «الواسطة»، والمعارف حلَّا مكان التعليم في مجتمعاتنا، فقد أصبح المعارف لا يقلُّون أهمي ة عن شهادتك التي قد لا تحتاجها إذا كنت على علاقة صداقة، أو قرابة، أو حتى معرفة مع صاحب العمل. موضوع «الواسطة» ناقشته كثير من المقالات في الصحف اليومية، وليس بغريب على تفكير كثير من المواطنين والمقيمين، إذاً ما الجديد؟ أقول لك إن التعليم لم يعد سوى ظاهرة اجتماعية، و»ميزة» لا تقل عن كونك صاحب مال ومقتدر. التعليم في الدول الخليجية أصبح «لا شيء» في ظل وجود المعارف، فأنت تستطيع بكل سهولة أن تحصل على وظيفة، أو ترقية في عملك لمجرد أن معارفك، أو «واسطاتك» كثرٌ، بغض النظر عمَّن كدَّ وجدَّ للحصول على شهادة دراسية. حينما تقبل شخصاً ما في عملك، أو تسمح بمرور معاملة شخص ما أسرع من معاملة شخص آخر لمجرد أنك تعرفه، أو تعرف مَنْ يعرفه، أنت تلغي بذلك كثيراً من القيم، ومنها: التعليم، والأخلاق. لماذا لا يمكنه أن ينجز ما يحتاجه لمجرد أن طريقته في المعاملة جيدة؟ أليست هذه قيمة؟ التركيز على التعليم والأخلاق في الحياة العملية سيرفع من قيمتهما كما ارتفعت قيمة المعارف في مجتمعاتنا، فمن المسؤول إذاً؟