فيليسا إنجلمان هي ودودة بشوشة، تتكلم بصراحة وتلقائية، تترك لنفسها أحياناً بعض الوقت لتفكر في ما تريد قوله قبل أن ترد، وأحياناً تخبرك أنها لا تعرف الإجابة، لأنها لا تريد أن تقول كلاماً يفتقد الحكمة. تحب دول الخليج، وتدافع عن أهلها بحماسة شديدة، لكن حبها لا يجعلها عمياء عن بعض العيوب، وتقول بوضوح إنها تريد أن تجعل الألمان يتفهمون ضيوفهم القادمين من الخليج، لكنها لا تريد أن تقوم بحملة علاقات عامة لهم، تقول إنهم ليسوا أناساً بلا عيوب، لأنه لا يوجد إنسان بلا عيوب. وبدلاً من أن تكرر الأحكام المسبقة عن المنطقة وأهلها، تنبّه مجتمعها إلى أن ما ينتقدونه في غيرهم موجود عندهم، فاستغلال العمال ودفع الأجور المنخفضة موجود في مواقع البناء في ألمانيا، والنظر إلى العمال الأجانب في الخليج باعتبارهم قوة عمل فحسب، يقابله النظر إلى سياح الخليج باعتبارهم «محفظة أموال تسير على قدمين». تقول إنها ترفض أن تذهب إلى الخليج لتلقي الدروس على أهلها عن كيفية التصرف في بلادهم، كما ترفض أن يأتي سعودي إلى ألمانيا ويستنكر على أهلها أن يسمحوا للنساء بقيادة السيارات في شوارع ميونيخ. عاشت في الخليج العربي بقلب منفتح على الآخرين، وبعيون فضولية، وبقدرة على السؤال عن كل شيء، والحصول على الإجابة، وباستعداد لقول رأيها، حتى ولو كان مخالفاً لرأي الغالبية... فإلى تفاصيل الحوار: سياسية وصحافية، أليست هذه تركيبة عجيبة؟ - أنا لست سياسية بالمعنى التقليدي، أنا أمارس العمل من أجل مصلحة الجماعة، من أجل الحي الذي أسكن فيه، ربما تكون صفة سياسية كبيرة على ما أقوم به، أنا أركز على قضايا موضوعية، لا على الأمور السياسية الحزبية. حصلت على الدكتوراه في العلوم السياسية، فماذا كان موضوع رسالتك؟ - كانت عن رجل دين يسوعي، كان يقوم بالتدريس في روما في القرن ال17، وكان يعتقد أنه يمكن أن يجمع كل علوم الدنيا، ولكنه للأسف وقع في أخطاء فكرية كثيرة، وبعد موته بفترة قصيرة، لم يعد له ذكر، وألف كتاباً عن علم الدولة المسيحي، وهو كتاب لم يهتم به أحد، فقمت بتحليله وربطه بالفترة الزمنية التي نشأ فيها. ما المجالات التي تعملين فيها بصورة أساسية؟ - هي تاريخ الثقافة والسياسة والرحلات، علماً بأنني ألفت كتاباً آخر عن الرحلات، بعنوان: «معذرة، هذا غير متوافر لدينا»، وهو عبارة عن حكايات طريفة من كل العالم، هو كتاب للتسلية، لكنه يحتوي أيضاً على معلومات وخلفيات. الإسلام والمجتمع تبدين تفهماً كبيراً تجاه الكثير من الأمور في الإسلام، فتدافعين عن الحجاب، بل وتعتبرينه رمزاً للحركة النسائية الإسلامية، فهل يحظى موقفك المتسامح للغاية تجاه الإسلام بالقبول الاجتماعي؟ - بالتأكيد لا يتفق كل فرد في هذا الحزب مع آرائي، لكن الحياة الحزبية في ألمانيا لا تقوم على الإجماع على رأي واحد، بل على تبني كثير من الناس الكثير من الآراء، كما أود الإشارة إلى أن المسلمين المتدينين هم أيضاً متمسكون بالقيم، ويتبنون توجهات محافظة، لذلك فإن نقاط الالتقاء بين الطرفين أكثر مما يتوقع الكثيرون. هل معنى ذلك أن المسلمين يمكنهم العيش بصورة أفضل في الولايات التي تحكمها أحزاب مسيحية محافظة؟ - هذا أمر يصعب عليّ الحكم عليه، لكنني أعتقد أن المحافظين على القيم من المسلمين، يتفقون مع المحافظين على القيم من جميع الأديان، وفي كل مكان في العالم، ويجمعهم الاحترام المتبادل بينهم، لأن الإنسان المتدين يحترم المتدينين الآخرين بغض النظر عن عقيدتهم، هذا ما توصلت إليه من خلال تجربتي الشخصية. ما مدى إتقانك اللغة العربية؟ - مهما تعلم المرء من اللغة العربية لا يكون ذلك كافياً، لأن اللغة العربية صعبة فعلاً، أحياناً أشاهد تقريراً في التلفزيون وأفهم كل كلمة فيه، ثم يأتي بعده تقرير آخر، فلا أفهم منه شيئاً. أعتقد أن لغتي العربية كافية لقضاء مواقف الحياة اليومية، حتى إذا وصل الأمر للشجار في مخفر الشرطة، كما ذكرت في كتابي، عندما اتهمني أحد ظلماً بالتسبب في حادثة مرورية، لكن الأحاديث المتعمقة تحتاج إلى الرجوع إلى القاموس، لأنه مازالت هناك الكثير من المفردات التي لا أعرفها. الطبقية والعنصرية الخليجية تحدثت عما أطلقت عليه مصطلح «الطبقية» في المجتمع الخليجي، لكنك لا تتفقين مع ما يرد في بعض وسائل الإعلام الأوروبية من وجود «عنصرية» هناك، أليس كذلك؟ - مصطلح «العنصرية» قاسٍ جداً، وأنا لا أستخدم كلمات قاسية، الطبقية واضحة جداً في المجتمع الخليجي، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالطبقات الدنيا من العمال الأجانب المقيمين هناك، لكن هذه المكانة المتواضعة لا علاقة لها بالعنصر أو الأصل، بل بالوضع المهني والاجتماعي، سواء كان العامل من سيريلانكا أو باكستان أو الفيليبين، الأمر مرتبط بالعمل الذي يمارسه الشخص، لكن رجل الأعمال الثري القادم من الفيليبين، لا يلقى المعاملة السيئة، لأن الوضع الاجتماعي مختلف في هذه الحالة. كتابي والمغزى من يقرأ كتابك يشعر أنك تتقبلين المجتمع الخليجي كما هو، أليس كذلك؟ - أنا أتقبله، لأنني من ناحية المبدأ أتقبل الأشياء أولاً كما هي، أحاول أن أفهم كيف تسير الأمور، ولماذا تجري بهذا الشكل، ربما أختلف مع بعض الأمور التي تحدث هناك، لكن لا بد من الاعتراف بأن كل مجتمع فيه نقاط موضع انتقاد، الفكرة من تأليف كتابي، لم تكن توجيه الانتقادات، بل توضيح مغزى الأمور التي تجري هناك، والعمل على إيجاد تفهم وتفاهم للمجتمع العربي الخليجي، وليس انتقاده. وكما قلت هناك أمور لا تتفق مع مفاهيمي، لكنني باعتباري أجنبية، ليس لي حق تلقين الدروس عن كيفية إدارة الأمور في خارج بلادي، لأنني في المقابل لا أقبل أن يأتي أشخاص من السعودية مثلاً، وينتقدون قيادة النساء السيارات في ألمانيا، إنني لا أمانع في الاستماع إلى آراء الآخرين، يمكن التحدث عن كل شيء، لكنني أرفض إصدار الأحكام على الأشياء بشدة، إنني مؤمنة بأنه ليس لي حق في الحكم على الآخرين. ما المدة التي استغرقها تأليف كتابك، وكم عدد الكتب التي قرأتيها؟ - عملية الكتابة نفسها استغرقت سنة تقريباً، والكتب التي قرأتها تملأ صفين من مكتبتي، طول كل واحد منهما متر تقريباً. أي حوالى 60 كتاباً؟ - لا، أكثر من ذلك. وكم عدد الأشخاص الذين تحدثت معهم؟ - علاوة على الأشخاص الكثيرين الذين قابلتهم خلال زياراتي الكثيرة، فإنني قمت قبل الكتابة برحلة لمدة ثلاثة أسابيع، تحدثت كل يوم مع حوالى خمسة أشخاص، لكن الكثير من الأحاديث لا تعتبر مقابلات صحافية، بل هم أشخاص أقابلهم، فأجري معهم أحاديث عابرة. في إحدى المرات شاهدت سيدات في الحمام، فسألتهن عن سبب ارتفاع الحجاب فوق رؤوسهن، وهل عندهن شعر طويل لهذه الدرجة، فضحكن، وخلعت إحداهن حجابها، لأرى ورداً من الورق، ليرفع الحجاب إلى فوق، وقلن لي إن شعورهن ليس طويلة. ولا أعرف هل أعتبر هذا الحديث مقابلة صحافية أم لا. هل زرت السعودية؟ - للأسف الشديد لا، لكن أتمنى أن أسافر إلى هناك؟ لكنك كتبت الكثير عن المملكة، فما هي مصادر معلوماتك؟ - عندي معارف من المملكة، حكوا لي طويلاً عنها، وقرأت الكثير من الكتب عنها، وشاهدت التلفزيون السعودي، وقدم لي أحد المعارف طلباً للحصول على تأشيرة دخول المملكة، لكن الطلب قوبل بالرفض. لكن لا يزال عندي أمل في الحصول يوماً على تأشيرة دخول، وعندها سأسافر مع أبي ليكون محرماً لي، وإلا لن يكون بوسعي الانتقال من مكان إلى آخر. كيف ترين مستقبل منطقة الخليج؟ - أعتقد أن الثراء في صورة النهضة المعمارية الهائلة سيتراجع، وبدلاً من التوسع في البناء، ستقوم المدن بترسيخ دعائمها، كذلك ستتوقف الزيادة الكبيرة في أعداد السكان، سواء كان ذلك في دبي أم الدوحة، كذلك ستلحق بقية الإمارات مثل رأس الخيمة والفجيرة بركب التقدم، وكذلك أرى أن اليمن سيحقق تقدماً وتطوراً في المستقبل. المستقبل الخليجي ما هي مصادر الدخل التي ستعتمد عليها هذه الدول بعد مرحلة النفط، هي ستقيم صناعات أم ستعتمد على استثماراتها في الخارج والداخل؟ - أعتقد أن هذه الدول ستستمر في دورها كملتقى للقارات، بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، سيتسمر انتقال البضائع عن طريقها، وربما سيتوسّع القطاع المصرفي فيها، وهو مجال لا أعرف عنه الكثير، لكن الأهم - من وجهة نظري- أنها ستكون محور لقاء للمثقفين والفنانين والمبدعين من المصممين والمطورين للمنتجات، هناك يلتقي كل العالم. وهناك يمكن أن تلتقي الأفكار والمنتجات الجديدة، مثل الابتكارات في مجالات الطاقة الشمسية والبناء بطرق تحافظ على البيئة، أجد أن هناك آفاقاً واسعة للاستفادة من الموقع الجغرافي المميز، ففي خلال ست ساعات يصل الإنسان إلى الصين أو أوروبا أو أفريقيا أو الهند، هذه بعض آفاق المستقبل. وماذا عن التعليم في هذه الدول؟ - هذا هو المهم جداً، التركيز على التعليم، والاستثمار في رأس المال البشري، لا ينبغي أن يركن المواطنون الخليجيون إلى الثراء، وإلا تفوق عليهم المقيمون، لا بد أن يجتهد المواطنون في التعلم والدراسة الجامعية، حتى لا يفوتهم قطار المعرفة، وإلا وجدوا مكانتهم تتراجع داخل بلادهم، لأن الثراء لن يستمر إلى ما لا نهاية. السعودية تقوم باستثمارات ضخمة في مجال التعليم، حوالى 100 بليون ريال في خمس سنوات تنفقها على التعليم العام والتعليم العالي. فهل يمكن الحديث عن ثورة تعليمية في الخليج؟ - لا، لا يمكن الحديث عن ثورة تعليم بعد، لأن الوعي بأهمية التعليم لم يصل بالدرجة المطلوبة إلى القاعدة الشعبية، الثورة التعليمية تكون عندما يتزاحم الناس على الالتحاق بالجامعات، ويتنافسون على الشهادات العالية، عندما لا يفضل الشباب الجلوس في المولات، على الذهاب إلى المحاضرات، قيادات الدول تقدم الكثير، لكن الوعي التعليمي لا يأتي بالأمر من فوق، بل لا بد أن يأتي من الناس أنفسهم. ماذا تنتظرين من المملكة أكثر مما تقوم به؟ - في تقديري الشخصي، من المهم جداً إشراك المرأة بصورة أكبر في عملية التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة، إن المرأة السعودية متعلمة ومثقفة، ولا يجوز إهدار نصف الثروة البشرية، أو التفريط فيها. إن العالم كله يشهد هذه البدايات الجيدة في هذا الاتجاه، وهناك سعوديات يشاركن في مجالات عمل جديدة، لكن يبقى الأمر في النهاية متروكاً للمجتمع السعودي، ليفعل ما يراه مناسباً له. أقامت السعودية معرضاً عن روائع آثار المملكة عبر العصور في عدد من العواصم، وهو حالياً في برلين، هل يلمس العالم هذا الانفتاح الذي تقوم به المملكة؟ - بالتأكيد، ولقد أشرت في كتابي إلى زيارة الملك عبدالله إلى بابا الفاتيكان، إنني على يقين من استمرار هذه السياسة الانفتاحية، لأنها لا تتسبب في أي ضرر لأي طرف، إن السعودية لن يصيبها أذى عندما يأتي إليها أناس من أتباع الأديان الأخرى، ممن جاءوا للعمل والحياة فيها. البحرين لا يضيرها أن تدق فيها أجراس الكنائس. في كتابك تفاصيل كثيرة عن الإسلام، ولكنني أتساءل إذا كان القارئ العادي مستعداً لمعرفة كل هذه التفاصيل الواردة بإسهاب في كتابك؟ أليست بعض الفصول في كتابك أكاديمية بصورة زائدة؟ - بالتأكيد لن يهتم جميع القراء بكل ما ورد في الكتاب، هناك مواضع كثيرة أتناول فيها القضايا بصورة مبسطة، ولكنني لم أرد أن أجعل كتابي كله عبارة عن حكايات وسرد لمواقف مررت بها، عموماً أنا أقدم باقة كبيرة، ويستطيع كل قارئ أن يختار منها ما يشاء. أما قضايا الإسلام التي تناولتها بالتفصيل، فقد وجدت أن هناك الكثير من المعلومات الشائعة على رغم خطئها، يكفي أن الأذان دائماً ما يترجم بصورة خاطئة، حتى في نشرات الأخبار في المحطات التلفزيونية الكبرى، تكون الترجمة دائماً «الله كبير»، بدلاً من «الله أكبر»، لذلك حرصت على تقديم ترجمة كاملة صحيحة للأذان، وراجعت على الترجمة مرات عدة، حتى تكون صحيحة. تعتبرين كتابك إسهاماً لتحسين التفاهم بين الجانبين. فما الذي يمكن أن يقوم به الجانبان؟ - يمكن للألمان أن يقبلوا على الضيوف الخليجيين، يلقون عليهم التحية، ويتحدثون معهم، ليتعرفوا عليهم مباشرة، وهو الأمر الذي أفعله أحياناً، ربما يستغرب الخليجيون تصرفي في البداية، لأنهم لا يتوقعون ذلك، ولكنني أفعل ذلك، كما يمكن على الجانب الآخر القيام بخطوات، مثلاً أن تفتح المملكة أبوابها أمام الزائرين من الضيوف الأجانب من غير المسلمين، سيكون ذلك أفضل بكثير، كما يمكن للضيوف العرب القادمين إلى ميونيخ، أن يقتربوا من الألمان. عندنا في بلادنا طريقة سهلة للتعارف، وهي أن يدخل الإنسان أي مطعم أو مقهى، فإذا وجد مكاناً فراغاً على طاولة يجلس عليها آخرون، يسألهم إذا كان المكان فارغاً، فإذا سمحوا له بالجلوس، تحدث معهم من دون معرفة مسبقة، وهو أمر ليس معتاداً في بلاد أخرى، لكنه مقبول عندنا. لقد ذكرت الكثير من النقاط الإيجابية في كتابك، لكنك ذكرت بعض الأمور السلبية، ألا تخشين أن يؤدي ذلك إلى ترسيخ بعض الأحكام المسبقة عن العرب الخليجيين؟ - إنني أردت بكتابي أن أنقل ما رأيته وشعرت بأنه الحقيقة، أنا أعلم جيداً أنه لا وجود للحقيقة المطلقة في هذه الأمور، وأعرف أنه لو ألّف شخص آخر كتاباً، فإنه سيكتب بصورة مختلفة عني، لأنه سيلتقي بأشخاص آخرين، ويرى جوانب أخرى، لكنني أكتب بالطريقة الصحيحة بالنسبة إليّ، مع إيماني بأن الكثير من الصور النمطية وراءها جزء من الحقيقة، وهذا أمر لا ينطبق على العرب وحدهم، بل على الألمان أيضاً، لذلك ذكرت بعض الأحكام المسبقة، لكنني قمت بتوضيح جذورها، وإذا كانت غير حقيقية، سعيت للقضاء عليها ونفيها. عندما أتحدث مثلاً عن التأخر عن المواعيد عند العرب، أليس هذا أمراً حقيقياً؟ أي أنك تكتبين ما تعتقدين أنه حقيقة، ولا يعنيك ما يعتقده القارئ، الذي يمكن أن يستند إلى كتابك في الاستشهاد بالأحكام المسبقة. أليس كذلك؟ - دعني أوضح لك أنني لم أرغب في تأليف كتاب ليكون بمثابة حملة دعائية، ولا لكي أقول للقارئ إن عرب الخليج هم أفضل وألطف ناس في الدنيا، وإنهم أناس بلا أخطاء، لأن ذلك ببساطة غير حقيقي، فليس هناك أحد في الدنيا من دون عيوب، والحديث عن التأخر في المواعيد لا يعتبر إساءة لهم، هناك أمور لا يختلف عليها اثنان، فالطقس في الخليج حار، ولا أستطيع أن أنكر ذلك. التقاليد الخليجية هل شعرت بتمسّك الخليج بتقاليده وتراثه؟ - العرب الخليجيون لم ينسوا ماضيهم، لكن عندي انطباعاً أنه حنين إلى الماضي، لكن بصورة معاصرة، هم يتحدثون عن الصيد بالصقر، لكنهم لا يتعمقون في طريقة تربية الصقور وتدريبها، هم يحبون الصحراء، لكن بشرط الجلوس في مكان مكيف، المجلس لم يعد عبارة عن خيمة، بل هو غرفة في داخل فيلا، يشربون القهوة ذاتها التي كان الأجداد يحتسونها، وربما يتحدثون عن المواضيع ذاتها، التي كانوا يتحدثون عنها قبل 50 عاماً. عندما نتحدث عن الثقافة في ألمانيا فإن الناس يفكرون دوماً في الأوبرا والمسرح والمعارض والمتاحف وقراءات من الأعمال الأدبية. فهل توجد مثل هذه الثقافة في منطقة الخليج؟ - لا يمكن تطبيق مصطلح الثقافة الغربية على الثقافة في الخليج، لأنه لا توجد دور أوبرا، بل إن هناك من يرى أن الأعمال القصصية والأدب يتعارضان مع الدين، لأنه كذب، طبعاً هذا تفسير متشدد للدين، الثقافة الخليجية لا يراها الزائر الأوروبي للوهلة الأولى، لأنه يفتش عن البيوت القديمة، ولكنه يصاب بخيبة الأمل بسبب عدم وجودها، لأن التقدير لهذه البيوت غير موجود. كل مجتمع وكل دولة عندها ثقافة، لعل من بين عناصر الثقافة الخليجية، أسلوب الحياة، واحترام الصحراء، الأمر الذي يظهر في الأموال المخصصة لحماية البيئة، وتقدير الحيوان، مثل الجمل، كذلك الشعر العربي بتقاليده العريقة، وثقافة الحكايات التي تتمتع بمكانة كبيرة، والأعمال والموسيقى التقليدية، والزي التقليدي، والحلي التقليدية، إنها ثقافة مختلفة عن الثقافة الأوروبية. هل هناك إقبال على المتاحف في الخليج؟ - مازال هناك نقص في المتاحف في دول الخليج، إنني شعرت بالأسف لأن هذه الدول تأخرت بعض الشيء في الاستثمار في بناء المتاحف، لكن أكثر من دولة تقوم حالياً ببناء متاحف، وتستدرك ما فاتها في هذا الجانب, أتمنى الاهتمام بثقافة المتاحف، لأنه مازال هناك الكثير مما يجب القيام به في هذا المجال، بحيث يستطيع الأطفال الذهاب إلى المتاحف. تحدثت في كتابك عن مجلس التعاون الخليجي وقمت بتشبيهه بالاتحاد الأوروبي، لكن العلاقة بين دول المجلس هي علاقة أخوة بين دول شقيقة، على عكس الاتحاد الأوروبي القائم على المصالح. ألا ترين هناك فرقاً بينهما؟ - أولاً حاولت بهذا التشبيه تقريب الصورة للقارئ الألماني، أما عن العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي فإن الدول الصغيرة فيها تخشى من هيمنة دولة كبيرة عليها، يمكن تشبيه ذلك بالعلاقة بين ألمانيا والنمسا، فلا هما تستطيعان الابتعاد كلياً عن بعضهما بعضاً، ولا هما تستطيعان الاقتراب الزائد. لا بد أن تكون العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي بعيدة عن الأسلوب السائد داخل القبيلة، فليس بالضرورة أن يكون أكبر الشيوخ مكانة هو أكثرهم حكمة، يجب تقبل الرأي الجيد، بغض النظر عن مكانة صاحبه. على أي حال إنني أعتقد بأن الأمور ستتطور إلى الأفضل داخل مجلس التعاون الخليجي. في كتابك تفهّم كبير للإسلام، وتؤكدين دوماً عدم تعارض الإسلام مع الحياة المعاصرة، فهل تحاولين شرح الإسلام بصورة تتناسب مع العصر، حتى لو تسبب ذلك في لي عنق الدين لتطويعه للمفاهيم العصرية؟ - أعتقد أن الدين فيه أمور جوهرية غير قابلة للتغيير، ولكن هناك أموراً كثيرة ترتبط بالثقافة والتقاليد السائدة في وقت ما، ولا علاقة لها بجوهر الدين، أي أن أصل الدين ثابت، وهناك قضايا أخرى مرتبطة بفترة زمنية، ولا أرى أي مشكلة في تفسير الأمور غير الجوهرية في الدين بما يتناسب مع روح العصر، علماً بأنني أؤمن بأن الدين نزل من أجل خير البشرية، ومن أجل أن يعيش الناس حياة طيبة. تقولين في كتابك إنه لا بد من إعادة صياغة العقد الاجتماعي الإسلامي. فما تصورك للعقد الاجتماعي الجديد؟ - لست أنا من يستطيع كتابة هذا العقد، بل المجتمعات الإسلامية نفسها، هي من ينبغي عليها أن تفعل ذلك، بحيث يمكن التوفيق بين الدين والمعاصرة، من دون التخلي عن الإسلام، كذلك ينبغي إعادة صياغة السياسة بأسس بعيدة عن الطبقية، كما يجب أن يقوم المجتمع المسلم كله بصياغة المستقبل، ولا يقتصر الأمر على بعض رجال الدين، يجب ألا تكون هناك هوة بين ما يجب أن يكون والواقع، يجب أن تتوقف الشدة والصرامة اللتان تنتهجهما بعض الحكومات في التعامل مع مواطنيها، حتى يسود الشعور بالرضا بين الناس. إذا زرت المملكة، ماذا تريدين أن تفعلي هناك؟ - أريد رؤية الرياضوجدة، ومدائن صالح، أريد التعرف على الحياة اليومية في السعودية، ماذا يفعل الناس طوال اليوم، أريد رؤية كيف بنيت المدن، وما هي البضائع التي تباع هناك، وأريد معرفة إذا كان كل الرجال عندهم شوارب، وكم نسبة من يرتدون الغترة الحمراء، وكيف تتحدث النساء، وما هي المواضيع المهمة هناك، أهتم دوماً بمعرفة الحياة اليومية، وكيف تسير الحياة وكيف يعيش الناس، هذا أملي. السيرة الذاتية ولدت عام 1975، وتعيش في ميونيخ، وتتقن ثماني لغات. المؤهلات العلمية - درست الصحافة واللغة الإنكليزية والعلوم السياسية، في جامعة لودفيغ ماكسمليان في ميونيخ، وهي أيضاً خريجة المعهد العالي للصحافة، وحصلت على منحة دراسية أثناء دراستها للعمل مراسلة صحافية في السويد. الخبرات العملية - عملت في الفترة من 1996 إلى 2000 في صحيفة ميونيخ المسائية «مونشنر آبندتسايتونغ»، ثم في الفترة من 2001 إلى 2006 رئيسة للقسم الثقافي في مجلة «كوزموبوليتان»، وقامت بالتوازي مع عملها بإعداد أطروحة الدكتوراه، التي تناولت فيها عالم الدين المسيحي أتنازيوس كيرشر، الذي كان يلقي محاضرات في روما، بعضها عن أهمية مصر لأوروبا، وأصبح الاهتمام بالعلاقات بين الشرق وأوروبا، خصوصاً في المجالات التاريخية والفلسفية والسياسية والحياة اليومية، محور اهتمامها. - في عام 2006 بدأت العمل محررة في مجلة «بي إم» العلمية، وتخصصت في الكتابة عن الرحلات، والتاريخ الفكري، وقضايا التاريخ الثقافي. المؤلفات - ألفت كتاباً عن الرحلات بعنوان: «معذرة، هذا غير متوافر لدينا»، وكتابها الثاني بعنوان: «موسم العرب - رحلة خلف حجاب دول الخليج».