تخيّلت مريضاً منكوباً منذ قبل ميلاد السيد (أبو قراط) يتوسّل لطبيب بغدادي لاحق وغابر اسمه (نعمان)، قلّما خرج زبون من بين يديه ولو كان يشكو صداعاً ببطنه، سالماً غانماً بأعضائه، ما ظهر تحت سطح بحر جسده العريض، أو ما خفي فوق مستوى (الشبهات)، ما دعاه ينشد متوسلاً بالنجاة: (أقول لنعمانٍ وقد ساقَ طِبّه/ نفوساً نفيساتٍ إلى داخل الأرضِ/ أبا منذرٍ أفنيتَ فإستبقْ بعضنا/ حنانَيْك بعضُ الشرّ أهونُ من بعضِ)! ومع ذلك، طالب زميلي الدكتور حسن الخضيري في مقالته أمس الأول الإعلاميين بالتريث قبل الخوض في كرامات الأطباء، وخلص إلى: (الطب بدون الإعلام لا شيء، والشفافية مطلب الجميع، ولكن لماذا لا يتم التيقن قبل النشر)؟! أطباء (الكلفتة) يا صديقي الخضيري، ينسبُون تضخّم ذات البروستات الفانية للنساء، ويلحقون تكبّر المبايض وتجبّرها بالرجال، ويتهمون الرضّع الخدّج بالحملِ الحلال، فأين المفر، وكيف نتيقن من النشر ونحن نتنفّس من تحت القبر؟! تعرّض أبو علقمة النحوي لوعكة صحية، فاستدعى طبيباً من (جازان) على نفقته الخاصة، فسأله الطبيب: (أكلت شنو)؟! قال النحوي: (أكلتُ من لحومِ هذه الجَوَازِل، فطَسَسْتُ طَسّة فأصابني وجعٌ ما بين الوابلة إلى دابة العنق، فمازال يزيد وينمو حتى خالطَ الخلب والشراسيف، فهل تكتب لي روشتة)؟! قال الطبيب: (خُذ خرْفَقاً وشَرْفَقاً وشَلْبقةً مِزْهَزقَةً وزقْزِقْهُ وأغسله بماء روثٍ وأشربه)! يازول روّق شويّة، قُلتَ شنو؟! ردّ الطبيب: (وصفت لي من الداء ما لا أعرف، فوصفت لك من الدواء ما لا تعرف). قال النحويّ: عشان كدا ما داير تفهّمني؟! ردّ الطبيب: (لعن الله أقلنا إفهاماً لصاحبه)! صحيح يا الخضيري أخوي، بعض المرضى يستدرجُون الموت بجهلهم تحت مشارط الأطباء، “بس ما للدرجة دي”!