إذا كنت لا تستطيع السفر، لأن ظروفك لا تسمح لك بهذه الفرصة، أين ستذهب نهاية هذا الأسبوع؟ وكيف ستقضي مع أسرتك عطلة هذا الصيف؟! هل ستقضيه من مجمع تجاري لمطعم، أم من بيت أسرتك الصغيرة لبيت أسرتك الكبيرة؟ وإن كنت قادرا على السفر، لماذا تتجه للخارج ولا تتوجه لمصايف المملكة؟ ربما يجب أن يفكر بتلك الأسئلة المسؤولون في هيئة الترفيه وأصحاب الشأن في السياحة الداخلية قبل إضافة أو اعتماد أي برنامج صيفي أو مهرجان سياحيٍّ جديد. والسؤال الأهم الذي ينبغي أن يفكر به المسؤولون أنفسهم، هل نجحت البرامج الماضية من وجهة نظرهم أو حققت الهدف الذي أقيمت من أجله، وما المعايير التي قيس بها ذلك النجاح. لأن كثيرا من الأسر والأفراد، أصيبوا بخيبة أمل، حين وجدوها تتكرر كل عام لدرجة تجلب التعاسة أكثر من السعادة، فأصبح لا خيار أمامهم سوى المجمعات التجارية. وحتى الزوار للمصايف الداخلية، عادة ما ينتهي الأمر بهم يومين على الشواطئ، وبقية الأيام يقضونها هرباً من حرارة الجو في المجمعات التجارية يتجولون بكآبة بين محل ومطعم. إذ لا تتوفر إلى الآن، مراكز ثقافية ترفيهية كافية أو أكاديميات ثابتة للفنون، خارج محيط الكليات وتعمل في العطل الصيفية، ويستطيع أي فرد الالتحاق بها، لتنمية الهوايات أو المهارات، فعلى سبيل المثال، إن كان هناك من يحب فن الخط والتخطيط، لن يجد أي مركز ثقافي ثابت ومتخصص لتعليم أو تنمية مهارة الخط العربي الجميل بحُليته وزخرفته. وعلى الرغم من وجود فنانين موهوبين بالفطرة، إلا أنه لا يوجد معاهد أو مراكز تعنى بفن النحت والزخرفة، يقضي فيها الهاوي والموهوب وقته لصقل تلك الموهبة أو تطويرها، للمساهمة في تجميل تلك الأماكن الباهتة حولنا. ومن يهوى فنا مثل الطبخ، لن يجد مكانا يتعلم فيه كيفية إعداد الأطباق العالمية. ومن يحب العزف، لن يجد أكاديمية يتعلم فيها مهارة التحكم بمفاصل أصابعه العشرة أثناء عزف النوتة الموسيقية على البيانو على سبيل المثال. وعلى الرغم من تسجيل الدراما السعودية نجاحا وحضورا لافتين في عدة مهرجانات سينمائية إلا أنه لا توجد إلى الآن معهد أو أكاديمية متخصصة، تهتم بتلك المواهب، أو تعلم الفنون السينمائية والمسرحية، فمن يهوى الإخراج السينمائي وصناعة الأفلام، لن يجد مكانا يتعلم فيه ذلك، أو حتى معرفة أساسيات كتابة السيناريو والحوار، أو الخطوات التي تتبع قبل تحويل العمل الروائي أو القصصي إلى فيلم أو مسلسل. وعلى الرغم من وجود فنانين وفنانات تشكيليين في المملكة، كنا قد شاهدنا بعضا من أعمالهم على وسائل التواصل، إلا أنه لا يوجد مراسم وأكاديميات رسمية تعلم الفنون التشكيلية، وتعنى بالمواهب منذ ظهور براعمها. لأن الفن في النهاية عبارة عن أعمال ومهارات يبدع فيها الإنسان للتعبير عن ذاته وحاجته، ويعد أحد ألوان الثقافة الإنسانية الملهمة، لذا يراه بعض علماء النفس ضرورة حياتية كالماء والطعام، فحين تتأثر أحاسيس الإنسان بظرفٍ ما، يعبر عن مشاعره بطريقة إبداعية، فبعضهم ينثرها في أبيات شعرية ويبدع في دقة تصويرها، وبعضهم يترجمها بالنحت والزخرفة أو بالرسم والألوان، لتخرج على شكل لوحة فنية قد تعبر عن قصة حب، أو ملحمة تاريخية. وبعضهم يوصل أحاسيسه عبر إبداعه في تأليف لحنٍ يُغني عن ألف كلمة يمكن أن تُقال لوصف سمو الإحساس. وبعضهم الآخر يعبر بالكتابة والتأليف الأدبي. وكل تلك الأشكال الفنية التعبيرية، تعتمد إلى حد كبير على خفة الروح والخيال. وسواءً كانت فنونا مادية أو حسية أو بصرية، مثل الرسم والنحت والزخرفة وصناعة الفخار والنسيج والطبخ والخط والكتابة الروائية والقصصية والفنون الموسيقية والدراما السنيمائية التليفزيونية وغيرها، فهي منذ قديم الزمان صاحبت الإنسان لتدل على وجوده، وتُعرف بهويته وتعكس بيئته وثقافته. لذلك فإن مهمة هيئة الترفيه ينبغي أن تتم بثقافة عالية، لتتخذ أبعادًا أكبر، وتشمل أفكارا مبتكرة لاستثمار العناصر الفنية الثرية التي يزخر بها نسيج مجتمع متعدد الثقافة مثل مجتمع المملكة، إذ للفنون تأثير في الحياة النفسية للفرد بشكل كبير جدا، يتجاوز دورها كوسيلة للتسلية والترويح عن النفس، لدور يعنى بالناحية التربوية، وينظر لها كأداة مهمة لتربية المشاعر والسمو بالحس والخيال. وأخشى الآن بأن سقف الطموح، وكمية الوعي قد ارتفعا، ولن يتقبل الناس مهرجانات «التمور والمانجا» «وصيفنا فلة» أو«صيفنا شرقاوي»، أو حتى الاعتراف بها كبرنامج ترفيهي ناجح. وأعتقد أنه لو كانت للفنون الجميلة مساحة أكبر، لما شاهدنا نصف الناس في الخارج، والنصف الآخر، يقضون هذا المساء وكل مساء في الأسواق والمجمعات التجارية.