خصام، تأنيب، لوم، ضرب، تهديد، منع، وعيد، حرمان، نهر، زجر، وتراخٍ مفرط… في مجملها جميعها تخضع للشعور بالوصاية من صاحب السلطة، وهذا نهج الأغلبية في التربية، إن لم يكن نهج «ثلاثة الأرباع»، و»ثلاثة أرباع» الربع الباقي منا. محزن ما نراه وما نعيشه من انهيار للقيم والمبادئ بين الأجيال، ومحزن أيضاً عندما تتحدث إليهم، وتحاورهم، وتجدهم فارغين من كل شيء إلا توافه الأمور وقشورها. أصبح من النادر اليوم أن تجد أحداً من الأجيال الجديدة لديه هدف وقيمة ومبدأ وجرأة في غير وقاحة، وتمسك بالدين بعيداً عن الإفراط والتفريط. والسؤال الذي نواجه به أنفسنا: ما هو الذي جعل أغلبية الأجيال الجديدة بهذه الصورة من الهشاشة والعقم، كما نرى ونشاهد في واقع ممارساتنا اليومية؟ ألسنا نحن المربين السبب الأول والثاني والأخير… أليس نحن مَن يتخاذل في تأدية الدور بشكل جيد؟ أليس لإنعزال مؤسسات التربية وتقوقعها على نفسها وعملها بمفردها الدور الأكبر فيما نجنيه الآن من جيل يصعب الاعتماد عليه؟! إن الجيل الحالي هو صناعتنا، نحن مَن شكَّلناه، ومَن جعلنا منه ما نراه أمامنا، نحن الذين جعلناه جيلاً مهزوزاً، متراجعاً، متخاذلاً وخاذلاً. الجيل الجديد يحتاج إلى «هبَّة واحدة» منا جميعاً لنتدارك ما يمكن تداركه، أو أقله لنحقق مع حلول 2030 أقل نسبة من الوعي بهذا الأمر، فما بذرناه وغرسناه في سنوات ليس من السهل اجتثاثه بين يوم وليلة. أنا أدعو إلى مشروع أقترح اسماً له: «خُلُق»، لعل وعسى أن نأخذ ولو قليلاً من مسماه، لننقذ ما يمكن إنقاذه، فرؤية الوطن لعام 2030 لا يمكن لها أن تتحقق بلا أخلاق تقوم عليها، وكما يقول الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ولو تأملنا في آيات القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة لوجدنا أن زوال الأمم وهلاكها لم يكن إلا لسوء أخلاقها. الأمر جد خطير، ولا مجال فيه للاسترخاء، وإلقاء اللائمة على الآخر، فكلنا في المركب نفسه، ولعلنا بوقفتنا هذه نجني جيلاً أقل ما يقال عنه إن له هوية نفتخر نحن بأننا مَن ربَّاه، وليس هو مَن يربينا كما هو حالنا الآن.