يمارس المجتمع ضغطاً كبيراً فيما يخص توقعاته، وما ينتظره من المرأة في كافة الأدوار التي تؤديها، وفي كل دور تقوم به سواء كانت عاملة أو ربة منزل أو أماً تشعر بأنها تحتاج لأن تكون «سوبر مان» لتغطي ولو جزءاً بسيطاً من التوقعات التي صاغها العقل الجمعي وفرض بنوده عليها. ورغم لهاثها وسعيها الدؤوب لتواكب تلك التطلعات فهي لا تسلم من النقد والمقارنات أبداً لينطبق عليها بكل أسف المثل القائل: «عومة مأكولة ومذمومة!». فإن كانت عاملة تساهم في خدمة المجتمع بعلمها، وتدفع عجلة التنمية ولو بمقدار يسير، وتكسب مالاً يرفع من جودة حياتها يتهمها بعضهم بأنها مهملة ومقصرة تركت بيتها وأسرتها للحاق بركب الحضارة الزائفة، ويستخدم معها عدسة التكبير لفحص أي عمل تقوم به من احتمالات التقصير، هو نفسه ذات الصوت سينتقدها لو كانت ربة منزل ويتهمها بأنها عالة وعنصر غير فاعّل في المجتمع «يستهلك ولا ينتج شيئاً بالمقابل». تقول صديقتي التي اجتهدت في تنظيف وترتيب منزلها لاستقبال والدة زوجها إن حماتها بعد أن دخلت المطبخ وقامت بفتح بعض من الأدراج وتقليب محتوياتها، ما إن رأت سطح المقلاة نظيفاً وغير مخدش حتى قالت لها بمزح لا يخلو من الجد: «مطبخك مطبخ رفلاء واضح أنك ما تطبخين شيئاً!» هذه السيدة وجدت نفسها مدانة في الحالتين؛ ففي حين كان المكان نظيفاً ولامعاً لم تسلم من الاتهام «بالرفّالة»، فهل لو كان المطبخ متسخاً أو في حالة من الفوضى ستكون في مأمن من انتقادات الوساخة و«قِل الدبرة»؟! والأمثلة أكثر من أن تُعد أو تحصى لمواضيع تكون المرأة فيها عُرضة للنقد الجارح، سواء بفعل الشيء أو بتركه.. فلا سلامة في أي من الأحوال. عندما تتحجب امرأة في الغرب – دون أن تغطي وجهها – يثني كثير على حجابها وتمسكها بتعاليم دينها، ولكن نفس الحجاب وبنفس الهيئة لو ارتدته امرأة سعودية لطالها من الهمز واللمز الشيء الكثير. حتى فيما يخص الجمال والرشاقة، حين أمعن بعضهم في جلد المرأة لدينا واتهامها بالبدانة والإهمال ومقارنتها بشكل مستفز وغير إنساني أو مهذب بغيرها، لم يخفت هذا الانتقاد عندما زاد وعي المرأة وباتت تهتم برشاقتها وجمالها وترتاد النوادي الرياضية والصالونات، وتقتني ما يساعدها من منتجات ومستحضرات؛ هي أيضاً بفعلها ذلك تتهم بالاستهلاك والإسراف والمبالغة بالاهتمام بنفسها على حساب بيتها أو أسرتها. ولا أعرف لماذا هذا الإمعان في جلد الذات بهدف السخرية أو التهريج يمارس ضد المرأة، إذ يكفيك أن تتابع ثلة من رسائل الواتسآب أو مقاطع متداولة فيه لترى ما يرسخ ويعزِّز هذه السلوكيات. لماذا لا نبرح مزاولة الازدواجية في نظرتنا للمرأة السعودية؟ ولماذا يطال التهويل والتكبير ليس أخطاءها فحسب بل حتى لاختياراتها في الحياة، بينما يتم التعامل مع نفس الاختيار من امرأة أخرى بحياد وإنصاف إن لم يكن بإعجاب وتقدير؟ لماذا السياق لما تقوم به المرأة لدينا لا يكون منصفاً أو على الأقل حيادياً معها، رغم أن الحياد خذلان مؤدب لكنه في هذا الموضع من أضعف الإيمان.