المرأة وتفاعلها مع وسائل الإعلام راسلة ومرسلة كان أحد أطروحات الحوار مع الدكتور فؤاد العبدالكريم عضو هيئة التدريس بكلية الملك فيصل الجوية بالرياض، ومدير عام مركز باحثات لدراسات المرأة بالعديد من الحوارات المهمة التي تتناول علاقة المرأة بالإعلام وضوابط عملها به، فضلا عن تبصيرها بما تحمله الرسالة الإعلامية من توجهات مباشرة للأسرة المسلمة. في بداية الحوار أكد الدكتور فؤاد العبدالكريم أن الإعلام يتدخل في الحياة المعاصرة بشكل مباشر؛ بل إنه يصوغ العادات والتقاليد، ويتحكم في الأذواق والاختيارات، عبر رسائله التوجيهية والموحية للمرأة والأسرة وسائر أفراد المجتمع. كيف ننصفها إعلاميا" إزاء هذا الزخم الإعلامي الهائل توجه القارئ "محمد" بسؤاله كيف ننصف المرأة إعلاميا؟ وأجاب العبدالكريم بأنه ينصف المرأة إعلامياً من كان صادقاً مع نفسه ومجتمعه وأمته، وقبل ذلك صادقاً مع خالقه، ينصف المرأة من كانت له أهداف سامية في هذه الحياة، وليس من عباد الشهوات والشبهات، ينصف المرأة كل مؤمن غيور على نساء أمته. وان إنصاف المرأة إعلامياً ممكن لكل من تتاح له فرصة المشاركة إعلامياً، من خلال الخطوات التالية: 1. بيان ما كانت عليه المرأة قبل الإسلام، ونظرة أهل الأديان الأخرى وأهل الجاهلية لها. 2. بيان مظاهر تكريم الإسلام للمرأة من المهد إلى اللحد. 3. بيان تعاسة المرأة الأوروبية أو الأمريكيةوالغربية التي تعيش في ظل دول التحرر والعولمة. 4. تصحيح المفاهيم والمناهج الهدامة المستوردة والتي تريد تدمير المرأة. 5. التعرف على مشاكل المرأة المسلمة في الوقت الحاضر وحلها وفقاً للأصول الشرعية. 6. فضح الإعلاميين ذكوراً وإناثاً ممن يتاجرون بقضية المرأة، ويمارسون تدليساً مقصوداً على الناس، من المستمعين أو المشاهدين أو القراء. هل نحن بحاجة إلى المرأة الإعلامية؟ وفي مداخلته يقول (زكريا): "إن التغييرات التي نريدها في مجال التربية وفي مجال العمل من أجل الصمود والمواجهة الحقيقية تؤكد أننا لسنا بحاجة إلى إعلاميات، وأن الرجل الإعلامي يكفي في الميدان.. وأن ما نحتاجه هو التركيز على دور المرأة الواعية والمتعلمة والمثقفة في البيت والتربية؛ لأننا بأشد الحاجة إليها لبناء الجيل الجديد، فدورها في الإعلام يستطيع أن يقوم به الرجل. ويجيب العبدالكريم قائلا: لابد أن نعرف ما هي حدود تعريف الإعلامية، ويضيف: الذي فهمته من كلامك أنك تقصد المرأة الإعلامية في المذيعات أو ما شابه ذلك، فإذا كان الأمر غير كذلك فأنا لا أتفق معك فيما ذهبت إليه، فالإعلام حقل واسع، ومشاربه متباينة فمثلاً : لماذا لا تكون هناك امرأة معدة لبرامج نسائية نافعة تفيد المرأة، وتبين مشاكلها وتقوم بحلولها على اعتبار أنها أدرى بهذا الأمر؟ لماذا لا تكون هناك داعيات على مختلف المستويات والهيئات؟ لماذا لا يكون هناك عمل مؤسسي نسائي يهتم بقضايا المرأة من حيث هي امرأة أعلم بشؤونها وشؤون بنات جنسها من غيرها. ويتساءل: أليس هذا كله ينصب في حقل الإعلام؟ أما مجال التربية وغيره مما ذكرت ينصب أيضا في حقل الإعلام بمفهومه الشامل، فعلينا أولاً أن يكون لدينا رؤى واضحة لهذا المسميات حتى لا يكون هناك خلط أو قصور في الفهم ومن ثم يكون هناك فساد في التصور. وتشترك "رائدة" جزئيا "زكريا" فكرته، فتقول: هل يكون دور هذه الدرة المصونة واللؤلوة المكنونة بالخروج من منزلها ومزاحمة الرجال حتى لو كان خروجها للدعوة؟ وتضيف: الإسلام لم يمنع من ممارسة المرأة للدعوة ولكن تكون في حدود بنات جنسها ولا ترتكب في ذلك مخالفات شرعية. وهذه القنوات التي تظهر فيها المرأة سافرة عن وجهها مبدية لمحاسنها، وكذلك استخدامها للمعازف فهل يصلح لمن أرادت الدعوة أن تتجه لمثل هذه القنوات التي يكون ضررها أكبر من نفعها؟ ويؤكد العبدالكريم على صحة ما ذهبت إليه قائلا: ما ذكرتيه يعتبر كلاما رائعا، وتوجيها سائغا، ولكن يمكن للمرأة أن تمارس دورها الإعلامي في هذه القنوات، ولكن بدون أن تظهر الصورة المقززة، وذلك من خلال إعداد البرامج النافعة أو إخراجها والإشراف عليها، ويتبقى كما هي درة مصونة بعيدة عن أيدي العابثين وأساطين الشر والفساد. هل يمكن للمرأة أن تعمل مذيعة؟ أما "رانيا" التي تعمل مذيعة فتتساءل عن إمكانية عمل المرأة مذيعة؟ دون امتهان لنفسها ولبنات جنسها، وتتساءل عن رؤية التربويين والعلماء للمرأة المذيعة، خصوصا التي تمارس عملها وهي محجبة؟ ويجيب الدكتور فؤاد قائلا: إن الأمة تحتاج وخصوصاً في هذه المرحلة إلى تفعيل الدور النسائي الإعلامي من خلال الأدوار التي يمكن أن تمارسها المرأة وفق الضوابط الشرعية في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار أن لا يكون ممارستها للدور الإعلامي على حساب مهامها الرئيسة حيال بيتها ونفسها. وكذلك نحن نشجع وننادي بأن تكون المرأة عنصراً فاعلاً ومؤثراً في المجتمع ومنتجاً، ولكن كون أن ينحصر دور المرأة الإعلامي في أن تكون مذيعة فهذا لا يُسلم به؛ لأن الظهور الإعلامي للمرأة بهذه الصورة فيه مخالفة للشرع الحنيف، وكذلك تذكري بأن حجابك لم يمنعك من امتهان هذه المهنة فأي حجاب تقصدين؟ ويضيف: ربما تقولي إن هناك خلافا بين أهل العلم في مسألة ستر الوجه من عدمه، أقول له هذا صحيح، لكن الشيء المتفق والمُجمع عليه بين أهل العلم المعتبرين الذين هم أصحاب الخلاف في هذه القضية اتفقوا على وجوب ستر الوجه في حالة كونه مصدراً للفتنة، وهذا الأمر واقع لمعظم النساء، وخصوصاً من تعمل في المجال الإعلامي كمذيعة، فمن البديهي والمقرر عند من يمتهن هذه المهنة أن تكون على قدر كبير من الجمال والرشاقة، فإذا ظهرت المرأة كمذيعة بحجابها الكامل وهذا لن يحدث بحال من الأحوال فقدت أهم الشروط لاختيارها كمذيعة. فالمرأة حال ظهورها الإعلامي تعامل كسلعة تُستغل فتنة الأنوثة فيها لشد انتباه الجمهور -حتى لو كانت قارئة لنشرة الأخبار-، فالمذيعة مثلاً يجب أن تكون على قدر معين من الجمال والجاذبية، ويضاف عليها كل ما وصلت إليه تقنية التجميل، وهذا يُعد من صور الامتهان الإعلامي للمرأة. فما عساك أن تتوقعي من نظرة المجتمع لمن كان هذا حالها؟ ولكن ممكن أن تمارس المرأة دورها الإعلامي بما يوافق الشرع كأن تكون كاتبة أو محررة أو معدة لبرامج هادفة، أو غير ذلك من الأدوار التي لا تخالف الشرع المطهر. الإعلام يروج لعولمة الأخلاق! وفي مداخلتها تقول (هناء اليوسف) :"إن الإعلام العربي انعدمت مصداقيته لدى المرأة وانتشرت بكثافة ثقافة الإعلام الاستهلاكي للمرأة العربية باعتبارها ليس لها فرص مثل الرجل؛ لأننا مجتمع ذكوري في نفس الوقت الذي يحاول الغرب التأكيد على هذا الفكر لعدم إنصاف مجتمعنا العربي، فكيف يواجه إعلامنا هذا التحدي؟ يقول العبدالكريم: لابد أن نعلم أن الإعلام العربي ما هو إلا أداة من أدوات الإعلام الغربي، وفي بعض الأحيان يكون أكثر خطورة منه، فالإعلام بصفة عامة إلا القليل منه يستغل المرأة كأداة إعلانية أو استهلاكية أو الجانبين معاً، حيث تٌستخدم المرأة في معظم وسائل الإعلام على تأكيد وترسيخ القيم المظهرية والشكلية والاستهلاكية في مقابل إغفال وطمس القيم الإنتاجية والأخلاقية الفاضلة، وكذلك قيم المشاركة الإيجابية المثمرة في النهوض بالمجتمع والأمة، من حيث الفكر والإبداع والتميز وغيرها. ويضيف: هذه هي رؤية معظم الإعلام العربي المستمدة من الإعلام الغربي الكافر، فهو - أي الإعلام العربي - لا يملك رؤية شرعية صحيحة تتسم بالوضوح والسمو والأصالة، ومن ثم فهو لا يملك مقومات التحدث؛ لأنه لا يرى ثمة شيء يوجب التحدي، فما هو إلا تابع لسيده الإعلام الغربي. بل إن هذا الإعلام العربي أصبح يروج في الآونة الأخيرة للعولمة الاجتماعية والأخلاقية ومصطلحاتها العفنة، أي ترويج القيم الغربية وبالذات أنموذج المرأة الغربية؛ ليصبح هذا الأنموذج هو القدوة التي يجب على المرأة المسلمة أن تقلده؛ حتى تنعم بالمساواة والحرية والإباحية وغيرها من شعارات الحركة النسوية الغربية!!. بيد أنه بدأ يطفو على الساحة الإعلامية العربية بشائر نور للإعلام الإسلامي العربي الرصين، فهذا الذي يمكن أن يقود دفة الإصلاح من خلال وضع خطة منهجية أصيلة تمتاز بسمو الهدف ووضوح الرؤيا. وتعقيبا على كلمة السائلة يقول العبد الكريم: أما قولك: أننا مجتمع ذكوري، فأنا أخالفك الرأي؛ لأن هذا المصطلح غير شرعي، فليس هناك في الإسلام مجتمع ذكوري ومجتمع أنثوي، إنما هناك تكامل بين المرأة والرجل في ظل عدل الإسلام، وهذا المصطلح لا يطلقه عادة إلا من يطلقون على أنفسهم بأنهم ليبراليون علمانيون، وأنت إن شاء الله لست منهم. هذه إستراتيجيات ضرورية ويسأل "معتصم"هل ترى ضرورة لوضع إستراتيجية إعلامية في ظل شريعتنا السمحاء؟ ويجيب الدكتور العبدالكريم بأن وجود إستراتيجية إعلامية أمر ضروري من خلال النقاط التالية: 1 - أن يصاغ بموازاة كل خطة حول قضايا المرأة - سواء كانت خطة شاملة أو تدابير جزئية - خطة إعلامية ذات أهداف واضحة، تستند إلى معطيات، وإحصاءات، ومعلومات، ودراسات علمية توفر لها الإمكانات اللازمة من طاقة بشرية وتكنولوجية وفكرية. 2 - تشجيع الباحثين والباحثات بمتابعة البحث والتقصي في قضايا المرأة ومشكلاتها ومتابعة صورة المرأة في الإعلام والإعلان، وتوجيه النقد لكل ما من شأنه أن يكرس دونية المرأة ويسيء إلى كرامتها، ووضع النتائج أمام أصحاب القرار؛ ليقوموا بدورهم في هذا الصعيد. 3 - تطوير صحافة نسائية مختصة، وضمان توزيعها ووصولها إلى قطاعات واسعة. 4 - إعداد برامج إعلامية موجهة تستهدف توعية المجتمع بقضايا المرأة وأهمية وضع الحلول الشرعية لها. 5 - إيلاء اهتمام خاص بالإعلاميين ذكوراً وإناثاً، وتثقيفهم بقضايا المرأة، من خلال دورات تدريبية خاصة، هدفها تعزيز ورفع القدرات لديهم؛ من أجل رفع مستوى التغطية الإعلامية التي تخص قضايا المرأة، وعدم اقتصار المعالجات الإعلامية على قضايا شكلية وإخبارية لا تقدم الكثير للمرأة، وتبقيها على هامش الأحداث. 6 - خلق منتدى إعلامي يضم إعلاميين وإعلاميات ومثقفين ومثقفات؛ بهدف مراجعة الصورة الإعلامية بشكل يقيم البرامج الموجهة للمرأة والأسرة. 7 - دعوة المثقفات والأكاديميات في الجامعات؛ لإبداء اهتمام أكبر بقضايا المرأة والإعلام، سواء من خلال المساهمات المباشرة في الكتابة واللقاءات والندوات والدراسات، أو من خلال برامج تدريبية وورش عمل، أو إصدار نشرات ودوريات تعالج الحقوق الشرعية للمرأة، وكيفية الحصول على هذه الحقوق في ظل تعقيدات الحياة المعاصرة، وانعكاس ذلك على الخطاب الثقافي الإعلامي والتربوي العربي. المرأة قائدة إعلامية وتحديات المستقبل ويسأل تميم هل ترى أهمية لإعطاء المرأة فرصة تولي مناصب قيادية إعلامية؟ وتأتي الإجابة بنعم: نحن بحاجة ماسة وخصوصاً في هذه الفترة التي شهدت نقلة نوعية في الخطاب الإعلامي العالمي والمحلي أن تتولى المرأة مناصب قيادية إعلامية وفق الشريعة الإسلامية، شريطة أن تكون المرأة عندها من الإدراك والوعي والمعرفة والثقافة ما يؤهلها لتولي مثل هذه المناصب. أما إذا كان تولي المرأة لهذه المناصب القيادية سيؤدي إلى مخالفات شرعية، كالاختلاط المحرم، أو الخلوة غير الشرعية، أو السفر بدون محرم، أو الظهور الإعلامي أمام الشاشات، أو غير ذلك من المخالفات الشرعية، فعند ذلك أرى عدم جواز تولي المرأة مثل هذه المناصب. وتتساءل حناوية عن ماهية التحديات التي تواجه انخراط المرأة العربية في العمل الإعلامي،ويؤكد العبدالكريم أن التحديات التي تواجه انخراط المرأة العربية في العمل الإعلامي كثيرة ومتعددة وذات جوانب متشعبة، منها: 1. عدم وجود البيئة الملائمة للقيام بهذا العمل. 2. النظرة الدونية للمرأة والتي عملت على ترسيخها في الأذهان معظم وسائل الإعلام. 3. عدم وجود خطة منهجية واضحة المعالم لدى كثير من المؤسسات الإعلامية في هذا الخصوص. 4. ربط انخراط المرأة في كثير من المؤسسات الإعلامية العربية بالتنازل والتخلي عن بعض الثوابت الشرعية مثل نزع الحجاب والتبرج والسفور. 5. تعرض بعض العاملات في القطاع الإعلامي لصور شتى من الابتزاز، سواء أكان مالياً، أو أخلاقياً، أو نفسياً، أو غير ذلك. 6. عدم مراعاة ظروف المرأة الجسدية والاجتماعية عند تكليفها ببعض المهام الإعلامية. المصدر / لها أون