مع بداية الألفية كنا نتحدث عن الطفرة الرقمية كمنحنى تغيير جديد يدخل على المجتمع السعودي، وبعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على التعاطي مع هذه الطفرة وإفرازاتها بدأت معالم تحضُّر جديدة تظهر على السطح كمخرجات مهمة يمكن الاحتفاء بها. والطفرة الرقمية التي تلقفها المجتمع السعودي بشغف، تصادم في بادئ الأمر مع شساعة الأفق الذي وجب عليه التعامل معه، ومع فقر الأدوات الفكرية وانعدام تراكمية التغيير الطبيعي؛ حيث إن الطفرة الاقتصادية التي عشناها في سبعينيات القرن الماضي منحتنا كثيراً من الحضارة المادية، لكن تحضُّر الإنسان عملية أبطأ تحتاج لأكثر من المادة لتحدث. والعوالم الرقمية في حد ذاتها أيْ نعم هي فضاء رحب، لكن ما أحدث التغيير في المجتمع السعودي بحق هي الشبكات الاجتماعية التي عرّت المجتمع وأظهر سوأته قبل محاسنه، فهي التي أسمعتنا النعيق والأغاني، وتركتنا نتصادم دون سابق إنذار. ومن ميزات الشبكات الاجتماعية أنه يمكن أن تلحظ التغيير فيها وتقيسه في فترات قصيرة نسبيّاً، وإذا أخذنا مثلاً «تويتر» باعتباره أكبر شبكة اجتماعية من حيث عدد المستخدمين السعوديين النشطين، حيث يقام له بشكل سنوي ملتقى»مغردون»، ففي الملتقى الأول الذي أقيم في 2013م كانت المحاور لا تتجاوز التعريف بالشبكة ذاتها كوعاء إعلامي وآليات الاستفادة منها والتجارب الشبابية الناجحة والظاهرة فيها، وغداً الإثنين سيعقد ملتقى «مغردون» الرابع، ونجد أكبر جلسة في الملتقى المتحدثون فيها خمسة وزراء خليجيين ثلاثة منهم وزراء خارجية ووزير دفاع ووزير دولة لشؤون مجلس وزراء! وبين الملتقى الأول والرابع مررنا كمجتمع مدني ومؤسسات دولة وإعلام تقليدي بمرحلة الترقب وردات الفعل في التعامل والتعاطي مع أحداث تويتر وهاشتاقاته، ولكن غداً قراءة لمرحلة جديدة في تحضر المجتمع السعودي الذي استطاع أن يجعل المؤسسات الحكومية والإعلام الرسمي يمد يده إلى صوت الشارع ليصافح التغيير المنشود. جمان: إرهاف السمع لموجة التغيير التي يبنيها المجتمع ويعيشها هي دعامة بقاء لمؤسسات الدولة وكيانها، وأيقونة استدامة لمجتمعات جل مكوناتها شابة.