لا يخفى على أحد أن الهدف الرئيس لما يمكن تسميته بالخريف العربي، هو التفتيت والتقسيم وبث الخلافات وإشاعة أسباب التفرقة بين الدول العربية وشعوبها من جهة وبينها من جهة أخرى. ولا شك أيضاً أن الدول الأوروبية وأمريكا وتركيا التي تسببت في هذا الخريف العربي، قد بدأت الآن تتذوق مرارته وتشعر بخطره. فإن كانت الحال معها كذلك فهو مع مصر والسعودية أكبر خطراً وأعظم تأثيراً. ولذلك فإن اتحاد الدولتين واتفاقهما حول بعض الأحداث التي تعصف بالعالم العربي أصبح ضرورة مُلِحَة والحاجة إليها ماسة. وقد لمسنا في السنين الماضية كيف اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما فيه تشكيك في العلاقات السعودية المصرية على حساب تاريخ مشترك من العلاقات القوية الراسخة والثابتة. كما لمسنا خلال الأيام القليلة الماضية كذلك فورة إخوانية عجيبة بعد أن شاهد العالم بأسره حجم العلاقة السعودية المصرية وحجم الاتفاقات التي تم توقيعها بين الطرفين، التي تعكس ماذا تعني مصر للسعودية. والحقيقة أن زيارة خادم الحرمين لمصر تأتي في توقيت بالغ الدقة حيث تتعرض الأمة العربية إلى أخطر عمل تآمري غربي وشرقي يتطلب وحدة الصف والتحالف الاستراتيجي العربي وهو ما يمكن أن يحدث بين السعودية ومصر بوصفهما «جناحا الأمن العربي» الذي يواجه الآن خطر التمدد الإيراني في المنطقة العربية. هذا يعني بكل بساطة أن الحاجة ماسة إلى أن يتم توضيح التحالف المصري السعودي بل الخليجي بشكل لا يقبل التشكيك به. ولا شك أن القيادتين السعودية والمصرية قد بحثتا الأزمات المشتعلة في المنطقة العربية كالأزمة اليمنية والليبية والسورية، كما صاغتا موقفاً مشتركاً منها جميعاً. وهذا معناه أن ذلك التحالف ليس مجرد محاولة مترفة بقدر ما هو مطلب رئيس تفرضه الظروف السياسية المحيطة، التي تشكل خطراً على الأمن القومي لدول الخليج ومصر. وقد يكون هناك بعض الخلافات البسيطة حول سوريا مثلاً لكنها لا تؤثر على العلاقة الاستراتيجية التي تربط الدولتين، بل على العكس، فمثل تلك الخلافات يمكن أن تكون قابلة للحل من خلال التحاور المباشر بين الأطراف المعنية والمهتمة بها. وحينما نتحدث عن التحالفات فلابد من الإشارة إلى أن العصر الحديث تأخذ فيه التحالفات طابعاً مختلفاً عما سبق، فالعلاقات الدولية تتحرك اليوم ثنائياً وثلاثياً وجماعياً من خلال أشكال متعددة من التحالفات، التي يكون فيما بين أعضائها خلافات معينة ومحدودة ومحكومة بدقة. ولذلك فإن بناء أي تحالف سعودي مصري لابد أن يستفيد من أي خلاف بينهما ويجيره لصالح التحالف الرئيس. وهذا ليس بالأمر المستغرب وليس بالأمر الذي لا يمكن أن يتحقق، فمجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال خير دليل على ذلك، فالخلافات السياسية بين دولتين أو أكثر حول قضية معينة هو أمر نشاهده ونلمسه بشكل مستمر ولكنه لم يؤثر على المجلس وأهدافه العامة. التحالف الذي يكون بهذا الشكل يمكن تسميته بالتحالف المرن الذي يتيح لدولة ما أن تتراجع عن أمر ما إذا كان هذا الأمر يؤثر على أمنها القومي أو لا يتفق ومصالحها العليا دون أن يؤثر ذلك التراجع على علاقتها بالدول الأخرى في التحالف القائم. والحقيقة أن هذا الأمر معمول به من قبل السعودية في تعاملاتها مع الدول الأخرى منذ نشأتها وحتى اللحظة، لذلك فإن نجاح عملية إنشاء تحالف سعودي مصري مرن أمر مفروغ منه، كما أنه يعتبر ضرورة حتمية في ظل الظروف المحيطة بالمنطقة العربية وفي ضوء التدخلات الإيرانية في عدد من الدول العربية، ولما في ذلك من خطورة على الأمن القومي لدول الخليج العربي ولمصر. زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر انتهت وغادرها بحفظ الله ورعايته وكانت نتائج تلك الزيارة باهرة وحجم التبادل التجاري والاتفاقات الموقعة بين الطرفين ضخمة للغاية ودليل قوي على تفرد تلك العلاقة مع مصر وتميزها، ودليل أكبر على أهمية السعودية ومصر لبعضهما بعضا. ويأتي إنشاء جامعة الملك سلمان في سيناء وعملية إنشاء مشاريع تنموية في شبه الجزيرة والسوق الحرة فيها، إضافة إلى مدينة البعوث الإسلامية بالجامع الأزهر كجزء من خطوة سعودية مصرية لبناء تحالف استراتيجي قوي لمحاربة الإرهاب وقوى التطرف أينما كانت. ومن نتائج تلك الزيارة تطوير القصر العيني وإقامة صندوق استثماري بين الدولتين ثم أخيراً التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بينهما واستعادة جزيرتي صنافير وتيران السعوديتين اللتين كانتا تحت الإدارة المصرية منذ زيارة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود للقاهرة. كما أن زيارة خادم الحرمين الشريفين للبرلمان المصري تأتي كأول زيارة في التاريخ. وقد جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين أن الدولتين اتفقتا على إنشاء القوة العربية المشتركة التي تؤكد قدرة خادم الحرمين الشريفين والرئيس السيسي على قيادة الأمة لمحاربة الإرهاب ونتائجه المتمثلة في شيوع الفوضى والنزوح الجماعي وعدم الاستقرار وتؤكد أيضاً حرصهما على ذلك. كما جاء إطلاق الجسر البري الذي يربط البلدين عبر البحر الأحمر ليكون منفذاً دولياً للمشاريع الطموحة بينهما، كما يمكن اعتباره وسيلة الربط بين القارتين الآسيوية والإفريقية. ختاماً أشير إلى أنه إذا كانت داعش قد انتقلت إلى ليبيا، بعد أن انتهت مهمتها في سوريا والعراق، وإذا بلغت قواتها هناك نحو ستة آلاف عنصر، فإن أرض الكنانة هي الهدف النهائي لذلك التنظيم. ولذلك تأتي الاتفاقات السعودية مع مصر لإنعاش الاقتصاد المصري وتقوية أفراد المجتمع كوسيلة لمنعه من الالتحاق بذلك التنظيم وأشباهه من خلال انشغاله بالمشاريع الاقتصادية، إضافة إلى تلقيه العلوم الوسطية في مدينة البعوث الإسلامية، التي لا شك أنها بوسطيتها واعتدالها تعتبر من أشد القوى المكافحة للإرهاب. إضافة إلى أن الاستقرار الاقتصادي في شبه جزيرة سيناء سيؤدي إلى خذلان قوى التطرف فيها وانكماشها إلى أبعد حد ممكن.