التعاملات البشرية قائمة على السلوكيات المكتسبة، ونجد ذلك التنوع السلوكي حسب البيئة الثقافية التي يعيشها الأفراد، فبيئة تفتقر إلى الوازع الأخلاقي الإنساني، هي بيئة موبوءة بكثير من السلوكيات الشاذة والمنحرفة عن النهج الذي بينه الإسلام. ويتوهم أفراد المجتمع البشري، سواء على مستوى عامة الناس أو على مستوى أهل الفكر والثقافة (النخبة)، أننا نملك قيما أخلاقية عالمية، لذلك لا حاجة لنا في الاهتمام بالمسائل والعلوم الأخلاقية، ويجدون أننا في حاجة لطرح المسائل الاقتصادية والسياسية، لأنهم يتصورون أننا متخلفون في هذين الجانبين، أي ستتصدر هاتان المسألتان سلم الأولوية في حياتنا الفعلية، لذلك لا نجد في كثير من المواقف الحياتية الصعبة والمعقدة سلوك بعض البشر متوجها نحو الأخلاق العملية. يقول أرسطو: من الممكن وجود فاصلة بين المعرفة الأخلاقية والعمل الأخلاقي. هذه الفاصلة ناشئة من ضعف الإرادة أي الضعف الأخلاقي، فالبشر يعرفون حين تواجههم مواقف سواء جيدة أو سيئة، ماذا ينبغي أن يفعلوا وماذا لا ينبغي، لكن ضعف الإرادة الذي يحتوي النفوس البشرية يقلب أرجحة الميزان ويصبح في حالة اختلال. حين يلغي الأفراد العمل الأخلاقي من سلوكياتهم المضطربة، يبدأ الانحطاط الأخلاقي المعنوي والعملي، ويمكن أن ندرك ذلك من دراسة بيئية لمكان عمل يحتوي على أفراد مختلفين في مستوى الثقافة والوعي، فإن كان سقف الوعي الأخلاقي بينهم قائما على الاحترام والمسؤولية والتواضع وحسن الظن أي عاليا، هنا سنجد أفرادا أصحاء من النواحي النفسية والفكرية وحتى الإنتاجية نشطة، بخلاف ذلك إن كان سقف الأخلاق منخفضا وتنتشر بين الأفراد البذاءة اللفظية وسوء الظن والعنف الجسدي، فمن الطبيعي أن نجد أفرادا مرهقين من النواحي الجسدية والنفسية والفكرية، هنا انتهاك مستهتر وشنيع للأخلاقيات الإسلامية. فمن الأجدى لخلق بيئة عمل متوازنة في جميع القطاعات العامة والخاصة، باستخدام القوى الفكرية والتصديقية، حيث تقوم الجهة الحاضنة بتقديم العلوم الأخلاقية وإيضاح ما هو حسن وسيئ وما ينبغي وما لا ينبغي فعله، فيطبع كل ذلك في نفوسهم، ثم التوجيه إلى القوى المحركة، أي تطبيق العمل الأخلاقي وتمثله في سلوكهم وتكون المتابعة المنظمة هي الحل الأنجع للانضباط المتسق، وأخيرا التوجه إلى الردع وهو مقابل كل فعل لا أخلاقي محاسبة منصفة، وبهذا تبنى هيكلية ذكية عملية للأخلاق. لكن هل نجد من يسعى ليثبت نفسه أخلاقيا؟ ويرسم جغرافية للسلوك المهذب؟ أم أن التسافل الأخلاقي هو الذائع والباهر بين الناس، لما العداوة للآخر وعدم الإنصاف في حال الكراهية بينما يوصي الله في القرآن الكريم المسلمين «ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى». ما نلاحظه حاليا من يملك زمام القدرة، وكان يكره أو يبغض أشخاصا، فإنه يستخدم كل السلوكيات الملتوية ليقضي على خصمه! ضاربا بالتعاليم الإسلامية عرض الحائط!