بالأمس، حَزِنّا لوفاة الكاتب والمفكر والأكاديمي الدكتور عبدالرحمن الوابلي، الذي لقي وجه ربه بما لا نعلم –كحال كل من مات-، إلا أننا نرجو له – كما نرجو لكل من مات- أن يكون لقيه بما يشفع له عند خالقه، ليغفر له ما كان منه، ويتفضل عليه برحمته، ويسكنه واسع جنته. إلا أن نفرا قليلا من مرضى القلوب والأفهام، ممن نُزعت من نفوسهم الإنسانية والرحمة -التي لو كان بوسعهم أن يقصروها عليهم لفعلوا-، طفقوا احتفاءً ب «هلاك» مسلم، ذنبه الوحيد أنه اختلف عنهم/معهم إبان حياته، في أمور فيها من السعة ما يحتمل الاختلاف. لن أدخل في تفاصيل خلافهم مع الراحل، لكن ما يعنيني موقفهم الصادم من موته، بما أننا كلنا دون استثناء مرشحون لأن يكون موتنا «حفلة هلاك»، فنحن مختلفون عنهم/معهم، كما الراحل الوابلي، وكما كثير من الذين لم يحن بعد دورهم في الرحيل. الأخطر في القضية أن هؤلاء الراقصين على قبر الوابلي، يقدّمون أنفسهم، ويقدمهم رهطهم ب «الشيخ، الداعية، العالِم»، أي أن موقفهم تجاه موت الوابلي ينطلق عقيدة دينية مشوهة، تضيّق دائرة الإسلام وفق مفهومهم حتى لا تكاد تجاوزهم. هؤلاء يعرفون قوله تعالى في وصفه لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإنك لعلى خلق عظيم)، ويعرفون حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ويعرفون قصة إعطائه قميصه لابن سلول –رأس النفاق- عند موته ليكفّن به، لكنها معرفة «وعائية» لا تفقه أن الأخلاق سبقت الدين، وأن الدين جاء مهذباً لما شذّ منها، معتبراً إياها جوهره ومحوره. «حَمَلةُ الأسفار» هؤلاء أخرجوا «وليجدوا فيكم غلظة» من الخصوص إلى العموم، فَهِمَوا أنها خلق لازم، لا موقف عارض، فأساءوا بفظاظتهم إلى الدين، أكثر من أعدائه الحقيقيين! إنهم أخطر مشروع لهدم «الإسلام الأخلاقي» من الداخل، باختزالهم له في طقوس وشكليات مفرّغة من روح الإسلام الحقيقية «الخلق والمعاملة». الموت لحظة مهيبة من لا يتسامى أمامها فهو كائن متوحش! من يُلحق الموتى خصومة، فهو يدفن كل ما يحمل من أخلاق وقيم مع جثثهم! اللهم ارحم عبدالرحمن الوابلي، ووالديّ وأموات المسلمين أجمعين.