المشكلة التي تخنق أيّ التقاء للأفكار، أو انتقال للمفاهيم، هي المصطلحات، فبالنسبة لأحدٍ قد يكون الضمير كائنا ساكناً في الداخل بينما هو بالنسبة للآخر نذير آتٍ من الخارج لتنبيه الداخل، إزاء ذلك سأدعوكم لترك المصطلحات جانباً وإعمال المفاهيم الخيالية، تلك التي لا اصطلاح لها وإنما نتلقّاها ونستوعبها، ليس شرطاً أن نسمّيها. سنبني حقيقتنا على الخيال، ولأجل ذلك سنصنع أفقاً أسود، لا شيء فيه، وأمامنا فيه وهجان: أبيض نورانيّ، وأحمر ناريّ. وإذا ما كانت بصائرنا محلّقة فوق هذا السواد الذي تتناثر فيه أنوار ونيران، بياض واحمرار، أو كان هذا السواد محلّقاً فوقنا، إذا ما تخيّلنا أنّ هذا السواد العظيم الممتدّ يغمرنا من جميع الجهات، فسنبني على ذلك أن النور والنيران تدور حولنا، ونحن ندور حولها في فلك مفرغ. الآن، وكخيالٍ أيضاً، لك داخل هذا الفلك السوداوي السابح هالتك الخاصة، تلك التي قد تكون ناراً وقد تكون نوراً، وتلك التي قد تكون مزجاً من الاثنين، وبسبحانك في هذا السواد المفرغ الممتدّ تستطيع مع التعوّد المرور بين النور والنيران، وأن تقتبس أنّى شئت.. لنعد إلى الحقيقة الآن، حيث تظهر تقنيات النانو تكنولوجي عبر تصويرها لأجزاء نانويّة من الذرّات تفاعلات أكبر من تلك التي تحدث على نطاق الذرّة، أيّ أن ما يحدث في جزيء الذرّة أكثر وضوحاً من تفاعل الذرّة ذاتها، وإذا ما سلّمنا بمكونات أجسادنا المكوّنة من ذرّات، تحمل في طيّاتها تفاعلات نانويّة، وإذا ما سلّمنا بمكونات بقية ذرّات عناصر الكون من حولنا، بما فيها ما لا نرى، فإننا يمكن أن نسقط صورتنا الخيالية على حقيقتنا العلمية الحالية. لذلك فإن وجود الشيطان أو عدمه، وشكل الشيطان أو لا شكله، وتأثيره أو لا تأثيره، شيء يصعب استنتاجه من خلال الإحساس الطبيعي القائم على المعطيات، ولكن يسهل قياسه من خلال تأمّل التفاعل النانويّ لكل شيء، ولذلك فإن دائرتك الضوئية التي تدور بها في فلك السواد سيتّضح تمايزها الدقيق مع دائرة أخرى نارية حمراء، أضف إلى ذلك تأثيرات الحقول المغناطيسية التي تحيط بكلّ شيء حيّ في الكون، ولك كذلك حقلك المغناطيسي المتفاعل والفاعل. إنّ عوالم الله العظيم منظومة رياضية تفاعلية دقيقة، وهي منظومة تمتد خارج عناصر الزمن والجغرافيا، وبتنشيط الجانبين المادي والروحاني في داخلك، يمكن لخيالك بناء صورة أقرب للحقيقة حول شيطانك؛ إذ إن لديه وسائل اتصال فعّالة ومتطوّرة، ينقل لك صوتاً وصورة لا يراها سواك، ويمكنك بقليل من التركيز أن تستبينه تماماً، تحدد أوقاته، وتعرف أسلوبه، وإن كان قد تغلغلك فستسمع صوته. أكثر الناس يعتقدون أن جميع الأفكار التي تدور في رؤوسهم منهم، وإذا ما تداخل الإنسان مع نفسه في حديث تفكّريّ؛ فإنّه لا يجيد التمييز بين الفكرة التي في رأسه والفكرة التي أتته من مصدر غير مرئيّ. إنّ أحاديث الشيطان مقنعة عادة، نابعة من واقعك وليست مستغربة، غالباً ما نهرب منها لأّنها فوق طاقتنا الاستيعابيّة، أمّا أحاديث الشيطان فودّية، قابلة للاستيعاب والتطبيق، وحميميّة أيضا.