على منصة مسرحٍ كبير لا مكان فيه حتى لواقف من شدة الزحام؛ لم يُخفِ رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للثقافة والفنون سلطان البازعي إعجابه «بمن يفكّر خارج الصندوق»، مقدِّماً الإبداع على الصلاحيات. وبلا مواربة ولا امتعاض إداري؛ لم يُخفِ البازعي إعجابه بتجاوز مدير فرع الجمعية في الدمام الشاعر أحمد الملا صلاحياته الرّوتينية العام الماضي، حين وعد جمهور مهرجان الأفلام السعودية بالعودة إليهم في نسخة ثالثة.. النسخة الثالثة بدأت مساء الخميس فعلاً كما وعد الملّا، وعلى الفهم الذي تمارسه الجمعية.. ووقف البازعي في حفل الافتتاح وتذكّر الوعد، وقال «كنت واقفاً إلى جانبه على نفس هذا المسرح، وفكرت لثوان في أنه ربما تجاوز صلاحياته وورطنا في مغامرة أخرى، ثم أعدت التفكير وتوصلت إلى أنه وضعنا جميعاً أمام تحدٍّ جديد، ثم قررت أن أقبل التحدي معه». وأضاف «نحن في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون نحب أن نخوض التحديات ونرحب بمن يفكر خارج الصندوق.. أليس الإبداع والخروج عن المألوف هو جوهر العمل الثقافي والفني». كان الحدث كبيراً بالمعنى الجماهيري، وحاشداً بالمعنى الثقافي. احتاج المنظمون إلى الاستعانة بقاعة عبدالله الشيخ لاستيعاب جمهور حفل الافتتاح مساء الخميس. وفوق ذلك بقيت ردهة جمعية الثقافة والفنون في الدمام مزدحمة بالناس. جاء الناس ليشاهدوا الأفلام السعودية، ومن خلال شاشة سينما رسمية، تحت مظلة جمعية الثقافة الفنون. وفي ليلة الافتتاح؛ عرضت الشاشة الكبيرة ثلاثة أفلام قصيرة، لكلّ منها سمته ولغته وأداؤه. اختار المنظمون فيلم «ران على قلوبهم» ليكون الأول في عرض الافتتاح. فيلم قصير يحكي قصة انتحاري فجّر نفسه في مسجد، ويَجري بين الانتحاري وبين شخصية أخرى حوار حول مغزى الفعل الإرهابي الذي يستهدف «مرتدين» يصلون في مسجد. الفيلم توعوي، ويكاد أن يكون مباشراً في «سيناريوه»، ولذلك غلبت عليه روح الوعظية المؤثرة. أما الفيلم الثاني فهو HOPE الذي مثّل فيه إبراهيم الحساوي وإلهام السنان، ويحكي قصة طبيبة تستعين بطبيب من خارج البلاد لإعطاء أمها جرعة علاج خارج برنامج العلاج في المستشفى. فكرة الفيلم غامضة، ومربكة، لكنّ الأداء عالٍ جدّاً. الفيلم الثالث هو «أصفر»، برع فيه المخرج محمد سلمان في استنطاق حياة سائقي التاكسي «الأصفر» وصراعهم مع «الليموزين». هناك حياة خفية لا يمكن استيعابها من خارج تفاصيل يوم سائق التاكسي الأصفر. شخصيات الفيلم التسجيلي ليست حقيقية فحسب، بل عميقة جدّاً. الفيلم من حياة الشارع النمطية، لكن التناول لم يكن نمطيّاً بالمطلق. حفل الافتتاح؛ قدمه الشاعر المذيع محمد الحمّادي بأدائه الواثق المعتاد. فيما ألقيت كلمتان، الأولى للبازعي، والثانية للملّا. وتضمّن تكريم لجنة التحكيم. وحين جاء دور الملا في الكلام؛ استعاد روح الشاعر «علينا أن نجهر بالفن ونرفع صوت الجمال والحب في وجه القبح والكراهية، لم يعد خافياً علينا أن غياب الفنون أضعف قيمنا الجميلة وأبدلها بأعراف جافة كلما توغلت توحشت أكثر». أشار الملّا إلى وعد العام الماضي، متحدّثاً عن سبب إصرار الجمعية على المهرجان، «في ظل معوقات يعرفها الجميع»، مُجيباً «بأن ذاك واحد من أدوار واجبة عليها تجاه الفنون، ومن جهتي الشخصية لدي سبب أصيل، فحيث أرى السينما أرى خلاصة الشعر وما الفيلم إلا قصيدة وربما أكثر، حيث يمكن القول: إذا كان الشعر ديوان العرب فالسينما رواية العالم». ثم سرد قصة معوّقات النسخة الثالثة بإيجاز شديد «نعم واجهنا مصاعب جمة، وما انزاح كثير منها بعد، لكننا نعي بأنها إلى زوال»، تاركاً تفاصيل القصة الحقيقية إلى العروض والأعمال التي استقبلها المهرجان منذ الإعلان عنه قبل أشهر قليلة جدّاً.. استقبل المهرجان 184 مشاركة، في الأفلام، سُجِّل منها 112 فيلماً، وقُبل من كلّ ذلك 70 فيلما فقط، ويبلغ مجموع زمنها 14 ساعة. وشارك في إنتاجها 46 مخرجاً و24 مخرجةً من السعوديين. ومن كلّ هذه الأفلام هناك 45 فيلماً يُعرض لأول مرة. وبلغ متوسط طاقم إنتاج كل فيلم 15 فرداً، بمجموعٍ 1050 كادراً من مساعدين وفنيِّي إضاءة وصوت وديكور وغير ذلك. تناولت الأفلام مواضيع متنوعة، وحسب بيان الجمعية فإن هناك مواضيع: العنوسة، الانتقام، الصراع النفسي، الحرية الاجتماعية، الحد الجنوبي، الإرهاب، الحب، الشعوذة والسحر، الزهايمر، السمنة، وذوي الاحتياجات الخاصة. وتتوزّع خارطة المشاركين وطنيّاً على: الدمام، حائل، جدة، سيهات، الرياض، سكاكا، الأحساء، الظهران، الجبيل، القطيف، المدينةالمنورة ومكة المكرمة». وقد تصدرت مدينة جدة بالنصيب الأكبر، فمن بين 70 فيلماً تشارك جدة وحدها ب 20 فيلماً. أما مسابقة السيناريو؛ فقد بلغ عدد السيناريوهات المقبولة 55 سيناريو، شارك بها 11 كاتبة و44 كاتباً، بإجمالي 1008 صفحات.