واصلت بروكسل أمس تعقُّب شخصين في إطار تحقيقها في اعتداءات الثلاثاء الماضي بعد التعرُّف على هوية 3 منفِّذين آخرين تبيَّن ارتباطهم بهجمات نوفمبر الماضي في باريس، في وقتٍ قدَّم وزيران في الحكومة البلجيكية استقالتيهما، لكنهما رُفِضَتا. واستنتج التحقيق أن الانتحاريين الثلاثة الذين حُدِّدَت هوياتهم في مواقع الهجمات في المطار الدولي ومحطة مالبيك للمترو؛ وفَّروا على الأقل دعماً لوجستيّاً في تدبير هجمات باريس التي أسفرت عن 130 قتيلاً و«ساعدوا صلاح عبدالسلام على الفرار قبل القبض عليه الجمعة الماضي في بلدتِه مولنبيك في بروكسل بعد تواريه طوال 4 أشهر». وعبدالسلام فرنسي يبلغ من العمر 26 عاماً، وهو موقوف حالياً في بروج ومتهم بأنه «العقل المدبر لهجمات العاصمة الفرنسية». وأعلن محاميه، سفين ماري، أن موكله أبلغه برغبته في الذهاب إلى فرنسا في أسرع وقت ممكن و«لم يكن على علم باعتداءات الثلاثاء». وأشار المحامي إلى رغبته في الالتقاء بقاضية التحقيق «حتى لا تعترض على رحيله». ويشير هذا الإعلان إلى تبدُّل في الدفاع عن عبدالسلام الذي عبَّر في أول جلسةٍ غداة توقيفه عن رفضه نقله إلى باريس كما تطلب السلطات الفرنسية في إطار مذكرة توقيف أوروبية. وتحدث المحامي عن جلسة أمام «غرفة المجلس»، وهي هيئة بلجيكية للتحقيق حول تنفيذ مذكرة التوقيف، تقرَّرت في 31 مارس. وكان سفين ماري يرد على سؤال طرحه صحفي في ختام جلسةٍ أمام «غرفة المجلس» حول ما إذا كان موكِّله على علمٍ باعتداءات الثلاثاء. في غضون ذلك؛ بقِيَ الحزن يلُفُّ بروكسل. وفي مبادرات تعاطفٍ عارم؛ تحوَّلت ساحة البورصة في المدينة إلى شبه نُصُب تغطِّيه الرسائل والأعلام والشموع والورد. ووضع أشخاصٌ لافتة كبرى أرضاً كُتِبَ عليها «أنا بروكسل». وإلى جانبها؛ وُضعِتَ مئات الشموع والزهور وقصاصات دعم إضافة إلى أعلام برازيلية وفرنسية وجزائرية جاورت علم بلجيكا المرفوع في الساحة. وعلى تقاطع دائري؛ وُضِعَت عشرات الشموع على شكل قلب، فيما ظهرت لافتة كُتِبَ عليها «ما زلت أحب عملي في المطار» ووقَّع عليها مئات من الأشخاص. وأرسِلَت جثث للضحايا من مطار زافنتيم إلى مسستشفى سان لوك التابع لجامعة لوفان ومن محطة مترو ميلبيك إلى مستشفى نيدر- أوفر- هيمبيك العسكري. وأسفر استهداف المطار والمحطة عن مقتل 31 شخصاً وإصابة 300، بحسب حصيلة أخيرة نُشِرَت الأربعاء. وما زال 150 جريحاً يتلقون العلاج بينهم 61 في العناية الفائقة. وبقي 4 من الجرحى في غيبوبة ولم تُعرَف هوياتهم على ما نقلت وكالة «بلغا» عن مسؤولة صحية. ووقف البلجيكيون دقيقة صمت جديدة ظهر أمس في جميع أنحاء بلادهم حداداً على أرواح الضحايا في اليوم الثالث من فترة الحداد الوطني. وإلى جانب موجة التضامن؛ تكثَّفت التساؤلات والانتقادات اللاذعة أحياناً إزاء عجز سلطات البلاد خصوصاً والأوروبيين عموماً عن حماية أنفسهم. وكان الانتحاريون الثلاثة، إبراهيم وخالد البكراوي ونجم العشراوي، معروفون بل ومطلوبون لدى الأجهزة الأمنية البلجيكية. وكان خالد البكراوي (27 عاماً)، الذي فجَّر نفسه في محطة مترو مالبيك، مطلوباً بداعي «الإرهاب» لدى الشرطة الدولية «إنتربول»، بحسب وثيقة اطَّلعت وكالة «فرانس برس» عليها. فيما صنَّفت أنقرة شقيقه إبراهيم (29 عاماً)، الذي فجَّر نفسه في المطار، «إرهابيّاً»، على ما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأربعاء، مؤكداً أن «أحد الذين شاركوا في هجوم بروكسل اعتُقِلَ في يونيو 2015 في غازي عنتاب وتم إبعاده في 14 يوليو التالي بعد معلومات من السفارة البلجيكية». لكن وزير العدل البلجيكي، كون غينز، نفى رواية أردوغان. وردَّ بالقول «لم تجر بالتأكيد عملية إبعاد إلى بلادنا» و«حينذاك؛ لم يكن (إبراهيم) معروفاً لدينا بسبب الإرهاب، كان مجرماً للحق العام يخضع للحرية المشروطة (…) وعندما طُرِدَ كان هذا إلى هولندا وليس إلى بلادنا حسب المعلومات التي نقلتها لي النيابة الفدرالية». والثلاثاء؛ عثرت الشرطة البلجيكية على «وصية» كتبها إبراهيم البكراوي على كمبيوتر محمول وُجِدَ في مستوعب قمامة في منطقة شيربيك حيث ركَّب المهاجمون عبواتهم وانطلقوا في سيارة أجرة نحو المطار حاملين أكياساً سوداء مليئة بالمتفجرات. وكتب البكراوي في الرسالة أنه «على عجل ولا يدري ما العمل» لأنه «مطلوب من جميع الجهات». أما الانتحاري الثالث نجم العشراوي، الذي فجَّر نفسه في المطار، فكان مطارداً منذ العثور على آثار حمض نووي عائدٍ له في عدد من الشقق التي استأجرتها مجموعات نفذت هجمات باريس في 13 نوفمبر. وعُثِرَ في الشقق نفسها على مواد متفجرة استُخدِمَت في هذه الهجمات التي تبناها «داعش» أيضاً. ويجري البحث عن رجل رابع يظهر مع إبراهيم البكراوي والعشراوي في كاميرا مراقبة وهما يدفعان عربتي حقائب أمامهما. وحتى الآن؛ لم يكشف المحققون هوية هذا الرجل. ويشمل البحث مشتبهاً فيه إضافيّاً على علاقة بهجوم المترو، على ما أعلنت مصادر في الشرطة. ومنذ الثلاثاء؛ بدأ سياسيون فرنسيون ينتقدون أجهزة الأمن البلجيكية. وتحدث وزير المالية الفرنسي، ميشال سابان، عن «نوع من السذاجة» البلجيكية في التعاطي مع التشدد والانغلاق الاجتماعي في بعض الأحياء. لكن المسألة تتجاوز بلجيكا، حيث تتعرض أوروبا بمجملها إلى الانتقاد. وورد الانتقاد الأبرز الأربعاء من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الديمقراطية إلى الرئاسة، هيلاري كلينتون. وانتقدت كلينتون بشدة دول الاتحاد الأوروبي على سوء التنظيم والتأخر في الرد على تهديدات المتطرفين. ولاحظت أن «دولاً أوروبية كثيرة ما زالت تفتقر إلى تبادل المعلومات عند توقيف مشتبه جهادي على حدودها أو عند سرقة جواز سفر». وإثر هذه الانتقادات؛ قدَّم وزيرا الداخلية والعدل البلجيكيان استقالتيهما، لكن رئيس الوزراء، شارل ميشال، رفضها فوراً. وارتبطت الاستقالتان بالجدل حول عدم تعقب متطرف أبلغت تركيا عنه. وأبلغ وزير الداخلية، جان جامبون، محطة تليفزيون «في.تي.إم» التليفزيونية الوطنية بأن رئيس الوزراء طلب منه البقاء في منصبه لأنه «في وقت الحرب لا يمكنك مغادرة أرض المعركة». وأفاد متحدث باسم وزارة العدل بتقديم الوزير، كوين جينز، استقالته «لكن طُلِبَ منه البقاء في منصبه». وفي حين لم يتم اعتقال آخرين من المشتبه في تشددهم لعدم كفاية الأدلة؛ كان إبراهيم البكراوي يخضع لإفراج مشروط ومراقبة بعدما قضى نصف مدة حكم بالسجن 9 سنوات لإدانته بالسطو المسلح. وقال جامبون «يمكن أن تتساءل لماذا أُفرِجَ عن شخص مبكراً جدّاً ولماذا أضعنا فرصة احتجازه عندما كان في تركيا»، مكملاً «أتفهم التساؤلات، وفي ظل هذه الظروف من الصواب أن تتحمل المسؤولية السياسية». ونقلت محطة «في.تي.إم» عن وزير العدل جينز تصريحاتٍ عقَّب بها على حديث الرئيس التركي قائلاً «ليس من السهل إعادة أشخاص إلى السجن بعد أن يتغيبوا عمداً عن مواعيد المراقبة مثلما حدث على الأرجح في حالة البكراوي».