ما بين شدة وغلظة، وكبت وحرمان، ومصادرة حريات، وانحلال تام، يدعى حرية، سنَّ قوانينها، وخطَّ حدودها «إنسان جهول»، سمح بالانحلال الأخلاقي، والشذوذ عن الفطرة، والاعتداء على معتقدات الآخر ومقدساته، تحت «ظلال حريته وفيئها»! بينما الأول حرَّم قَسراً زينة الله، التي أخرج لعباده من باب سد الذرائع، وجعل من الحياة، حياة الأنثى على وجه الخصوص، دائرة ضيقة خانقة، تلائم توجساته، وتُطمئِن شكوكه، التي مصدرها ذاته المعتمة. ما بين النقيضين، أرادنا الله أن نكون أمةً وسطاً، ومنحنا حرياتنا، وشرَّع لنا حدودها، وساوى في الاختيار والحساب، والجزاء بين الجنسين الذكر والأنثى. في ظلال حرية الله؛ كل إنسان يحيا حياته، وعليه أن يختار طريقاً بين «متشعب المسالك»، ووحده سيكون مسؤولاً عن كل عمل يأتيه، ويتحمل نتائجه، ولا يمكن أن يكون المرء مُحاسباً على اختيار أُكره عليه، أو حُرم منه. ليست الفضيلة شيئاً، نُجبر الآخرين عليه، بل هي بذرة، تُغرس في النفوس، وتُسقى بحُب واحتواء، ورعاية وتوجيه، ولسنا في حاجةٍ إلى أُناس يرتدون زيَّ الفضيلة خوفاً وطمعاً، ويخفون في نفوسهم «مستنقعات الرذائل»، ذلك لأنهم تربوا، واعتادوا على أن المظاهر هي ما يُهمُّ، وليست جواهر النفوس وضمائرها. لم يبعث الله أنبياءه جبارين يكرهون الناس على عبادته، بل بعثهم رحمةً بالإنسان الجهول، الذي كلما طال عليه الأمد مال عن الحق، إما متطرفاً فيه، أو متطرفاً عنه؛ فأمرهم بالتذكير والتبليغ، ولين القول، ونهاهم عن الإكراه والسيطرة والغلظة «مَّنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى». هذه رسالة الله، وهؤلاء هم أنبياؤه، فأين أنت منهم أيها المتشدد المسكين، يا مَنْ تظن أنك في شدتك وغلظتك، وسوء ظنونك، ومصادرتك حريات الآخرين، تُحسن صنعاً، وتمنع بذلك الوصول إلى الحرية، الوضعية، والمتطرفة، هي الأخرى أيضاً. في حقيقة الأمر، أنت تدفع بالناس إليها، وتُرغِّبهم بها، وعلى الرغم مما فيها من مساوئ إلا أنها ستبدو جنة أبهى وأجمل من جحيم تسلطك وقمعك. سيميل الإنسان إلى الحرية بفطرته، التي فطره الله عليها، ولن تكون أنت إلا أداة الشيطان، التي دفعت بالإنسان بعيداً عن ظلال ربه إلى ضلال نفسه، وبغضه دين فاطره، وصده عن سبيله.