لا يوجد لحاف يغطي كامل الجسد .. توجد نفوس سامية تتأقلم مع (ظروف) اللحاف!! قالها، ثم رحل بتراتيله بعيداً.. وهو يعلم جيداً أن نفسه السامية تستعد للتأقلم مع (ظروف) اللحاف.. البكاء، لا تجيده أفواه الجثث.. نحن مَنْ يبكي عليها. .. رَجلٌ.. كان في زمن أصبح فيه أشباه الرجال يتناسلون ويتكاثرون. قالها ذات مرة: من حق الناس أن يُعجبوا بمذاهبهم.. وأن يدافعوا عنها ويتمسكوا بها.. هكذا وُلِدوا وعاشوا. .. .. يدرك هذا الجنوبي أن صوت «فيروز» لم يعد يشجينا طرباً.. وأن الرصاصة أصبحت هي الدستور والوطن.. والملاذ الآمن.. وما سواها مجرد فراغ عدمي لا قيمة له! كما أن.. الضعفاء يقبلون دائماً بأي شيء.. لا يوجد لديهم سوى «هامش تفاوض» ضئيل. أما الأقوياء، فلا يفاوضون بل ينفذون ما يريدون من خلال التفاوض.. و… العصا. .. رحل وفي ذاكرته «هم» أمة كاملة.. رحل وهو على يقين بأن: هذا عصر الحروب بامتياز.. والشعراء والكُتَّاب والعشاق سينقرضون. وستتراجع الكلمات تحت سياط الأحزمة الناسفة. .. لاتزال ضحكته تملأ قلبي .. فطوال حياة «الجسد» كان يتعبد بحثاً عما هو.. مفرح .. ومنعش .. حتى لا ينفجر الناس من اليأس والتعاسة. .. لا يقتصر الحلم على استلقائه على السرير .. كان حالماً، أينما استلقى مع فكره .. .. روايته .. مقالته ..أصدقائه وكل ما يكتبه في الحب والوطن فالاستلقاء طقس لا يجيده إلا العشاق الذين بلغوا الهيام .. .. لم يكن «محمد»، أديباً بل كان أيضاً .. باراً بوالدته .. حتى إنه اختار اللحاق بها، لينام كما كان طفلاً بالقرب منها.. يشمها .. وتشم رائحته المعتَّقة برائحة التراب. فهي وطنه الأبدي. .. حان لمحمد البريدي أن يرحل .. فالأنقياء أمثاله .. لا يعشقون العيش داخل جسد. وبقاء أرواحهم داخل تلك المادة، مُقيدة للانطلاق فالحرية هي اختيارهم، حتى من ذلك الجسد. * إهداء إلى روح محمد البريدي، ذلك الكاتب الصحفي، والأديب الذي وُلِدَ في محافظة رجال ألمع، وعاش فيها طفلاً عادياً، كأطفالكم الملائكة، ودُفِنَ جسده في ترابها كما كان يتمنى «الجمعة الماضية» بعد أن أمضى 42 عاماً. له في المكتبات كتاب «على ورق الورد»، وكتاب «أسماء على ورق الورد» بالشراكة مع أديبين آخرين.