لم تكثر الأمثال الشعبية، كما كثرت حول الديون والاقتراض؛ وذلك إن دلَّ على شيء فإنما يدل على استشعار هذه القضية وخطورتها، ومما تعلمناه أن «الدين غلاب»، كما تقول العامة، وأن «الدين كلب الرزق»، كما يقول أهل البادية، وأن الدين «همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار»، كما يقول المثل العربي. لقد امتنع نبينا الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، من الصلاة على ميت عليه دين قدره ثلاثة دنانير، تأكيداً على أهمية أداء الحقوق، واستعاذ من أمور عديدة، أحدها: ضلع الدين مقترن بقهر الرجال، أو غلبة الرجال، ولا غرابة في ذلك لاسيما في عصرنا الحاضر؛ حيث أصبح الدين قهراً للدائن قبل المستدين، فلم يعد الوفاء كسابقه، وأصبح الدائن في حيرة بين تفريج الكرب، ومذلة الطلب لاحقاً لاسترداد ماله الذي قدمه، عن طيب نفس، لمستدين، لجأ إليه مستعطفاً، فهبَّ لمساعدته. لكنه «جوزي جزاء مجير أم عامر». الدين ابتلاء، وكل إنسان عُرضة له، وشتان بين غارم لأمر موجب، وبين غارم احترف الدين حتى أضحى له شعاراً، ومصدر تكسب، هؤلاء تجدهم يطلبون القرض، وهم ينوون الأخذ مع عدم السداد، لذلك أصبحوا غرقى بالديون، فمن دين إلى دين، ولو أنهم اقترضوا لحاجة، وصدقوا الله لكان التيسير سبيلهم. المؤلم أكثر أن إجراءات استرداد الحقوق المالية فيها كثير من القصور، وقد ينتهي الدائن بالخروج خالي الوفاض بعد جلسات وجلسات، وفي أحسن الأحوال بقبول المبلغ على دفعات، ستدخل شفاعات وشفاعات في منتصف الطريق على الدائن ليرحم هذا الضعيف المسكين، ويُسقط باقي الدين عنه، حينها لن يجد الدائن أفضل من المثل الشعبي القائل «قال يا حقي أزريت بي، فرد المال: يا صاحبي أنت من فرطت بي»!