باتت رؤية أطفالٍ مُمدَّدين على أسرَّة يعانون من حروقٍ بالغة أو بترٍ للأطراف منظراً مألوفاً في المستشفيات المكتظة في مدينة مايدوغوري الكبيرة شمالي شرق نيجيريا. وإذا كان تمرد جماعة «بوكو حرام» المتطرفة أسفر عن سقوط 17 ألف قتيل في هذه المنطقة خلال 7 سنوات؛ فإنه خلَّف أيضاً عدداً مماثلاً على الأقل من المصابين. ويتولَّى تسفايي ماكونن، الطبيب الجراح في الصليب الأحمر الدولي، إدارة جناحٍ يضم 33 سريراً افتُتِحَ أخيراً في مستشفى في مايدوغوري تخصَّص في مساعدة مصابي الاعتدءات. واعتبر ماكونن أن «مجرد بقاء هذه الأجساد المنخورة بالمسامير المعدنية والملفوفة بالجفصين والمبتورة على قيد الحياة يعدُّ معجزةً بحد ذاتها تثبت تزايد كفاءة أطباء المدينة على صعيد جراحة مصابي الحرب». وذكر بينما كان يستعد لإجراء عملية لشخص مصاب بالرصاص أن «معظم المرضى في هذا الجناح كانوا سيموتون لولا خبرة هؤلاء الأطباء»، مبيِّناً «لو لم يموتوا بسبب جروحهم والنزيف الناجم عنها، كانوا سيموتون من تسمم الدم». وبعد اعتداء وقع بالقنابل في مونغونو (130 كلم شمالي مايدوغوري)؛ أصيب التاجر، بابا علي بوكار (34 عاماً)، في ساقيه ونُقِلَ في يونيو الماضي إلى المستشفى لتلقي العلاج. وأجريت له 3 عمليات، فيما فقد الأطباء الأمل في إنقاذ ساقه اليمنى واضطروا إلى سحب عظام حتى يتيحوا لأخرى التشكُّل قبل أن يتمكنوا أخيراً من وضعه في الجفصين. وأكد بوكار «لو لم تكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر موجودة لاضطر الأطباء إلى بتر ساقي ولكانت حياتي انتهت؛ إذ كيف يمكن الاستمرار في العمل على ساق واحدة». وعلى غراره؛ يعاني كثيرٌ من المصابين من تعطل قدرتهم على تأمين معيشتهم، وتحولهم إلى عبء على عائلاتهم. وبعد 5 أشهر على إصابته في انفجارٍ وقع في أحد المساجد؛ لا تزال ساقا عثمان بوكار إيسياكو ملفوفتين بالجفصين في جناح «تقويم اعوجاج الأطراف للرجال» في مستشفى مايدوغوري الجامعي. وقال هذا الرجل الذي يمتهن البناء (30 عاما) «أنا مسؤول عن أشخاص، لدي زوجة و4 أولاد، وأنا من يأتي بالمال إلى البيت، أصلِّي حتى أُشفى واستأنف عملي». ومن حسن حظهم؛ يتلقى المصابون العلاج مجاناً. وتأخذ المستشفيات والسلطات المحلية والوكالات الإنسانية الدولية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر أو «أطباء بلا حدود» النفقات على عاتقها. لكن بسبب الهجمات المتكررة والتدفق المستمر للمصابين؛ سرعان ما تتراكم المهمات على الأطباء والممرضين وتصبح الموارد غير كافية. وفي جناح الطوارئ في مستشفى مايدوغوري الجامعي؛ مُدَّت فُرُشٌ على الأرض على مقربةٍ من الجدران لاستقبال المرضى وأبنائهم وذويهم، وحولهم سلالٌ تفيض بالقفازات المستعملة وأغلفة الأدوية والضمادات الملطخة بالدم. ويفيد موظف في المستشفى بأن كل هجوم جديد يؤدي إلى «الفوضى هنا». وإضافةً إلى الإسعافات الطارئة والأوَّلية؛ يحتاج عدد كبير من المصابين إلى علاج طويل الأمد في منطقة فقيرة كانت تعاني من نقص على صعيد الأطباء والبنى التحتية الطبية قبل التمرد. وتحتاج بلسمة الجروح الجسدية والمعنوية للناجين من الاعتداءات إلى عقود. وبعد اعتداءٍ؛ قُطِعَت اليد اليمنى لعيسى لاوان (12 عاما) الذي يبدو مصدوماً في سريره في الجناح الذي يديره الصليب الأحمر. وبصوتٍ مختنق؛ روى لاوان أن الاعتداء وقع بعد صلاة المساء وأن «امرأة دخلت.. وعندما طلب منها أبي أن تغادر تقدمت نحوه فتراجع وانفجرت لتقتل 19 شخصاً».