أجَّلت المعارضة السورية حسم موقفها من المشاركة في مفاوضات جنيف إلى صباح اليوم الخميس "انتظاراً لردود أممية على مسائل أبرزها المطالبات الإنسانية"، في وقتٍ كشفت باريس عن إبلاغها من طرف الأممالمتحدة بعدم توجيه دعوةٍ إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وسمِعَ وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، من المبعوث الأممي، ستافان دي ميستورا، أن الحزب الكردي المرفوض بشدة من جانب معارضي بشار الأسد وأنقرة «لن يشارك في التفاوض» الذي يبدأ غداً الجمعة. ونقل فابيوس عن المبعوث أن الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة من مؤتمر السوريين في الرياض، ستقود المحادثات. وأبلغ فابيوس إذاعة «فرانس كولتور» صباح أمس الأربعاء بقوله «جماعة حزب الاتحاد الديمقراطي هي أكثر مَن يثير المشكلات، والسيد دي ميستورا أبلغني أنه لم يرسل لها خطاب دعوة». وأرسلت الأممالمتحدة الدعوات أمس الأول، لكنها لم تكشف عن أسماء المدعوين أو انتماءاتهم. ونسبت متحدثةٌ باسم دي ميستورا إليه اعتزامه الكشف عن الأسماء في وقتٍ لاحقٍ «قد يكون الخميس». وكان مفترضاً بدء التفاوض الإثنين الماضي في جنيف، لكنه تأجَّل بسبب ما تصفها مصادر متطابقة ب «خلافات حول مَن يمثِّل المعارضة». واستضافت المدينة السويسرية جولة تفاوض سابقة في مطلع 2014 لم تُكلَّل بالنجاح. وترفض «العليا للمفاوضات» إضافة أسماءٍ إلى وفدها، وتؤكد تمثيلها كافة أطياف السوريين. وفيما كانت موسكو تريد ضم ممثلين عن الأكراد المسيطرين على مساحات من الأراضي شمال سوريا إلى الوفد المعارض؛ تعهدت أنقرة بمقاطعة المحادثات حال توجيه دعوة إلى «الاتحاد الديمقراطي الكردي»، إذ تصفه ب «منظمة إرهابية» تابعة لحزب العمال الكردستاني المتمرد ضدها منذ ثمانينيات القرن الماضي. ويرى مسؤولون أتراك إمكانية ضم ممثلين عن الحزب إلى وفد نظام بشار الأسد. وأمس الأول؛ أكدت شخصيات سورية غير محسوبة على «العليا للمفاوضات» تلقيها دعوات أممية، لكنها لم تحدد تحت أي صفة. فيما قال القيادي الكردي، صالح مسلم، إنه لم يتلق الدعوة حتى الآن. وأبدى وزير الخارجية الفرنسي تفهمه موقف وفد المعارضة. وأجرى مكالمةً هاتفيةً مع منسق «العليا للمفاوضات»، رياض حجاب، وصرَّح بعدها «أتفهم موقفهم، هم يقولون نعم للمفاوضات، وفي نفس الوقت يريدون تفاصيل عن المشاركين، وعما يجري على الجانب الإنساني، وعما سنتحدث عنه». وتطالب الهيئة باتخاذ إجراءات استباقية لبناء الثقة مثل رفع الحصار عن عشرات المدن والقرى، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف القصف الجوي. واعتبر دبلوماسي فرنسي كبير أن إشراك «الاتحاد الديمقراطي الكردي» في التفاوض سيهدد بتفكيك المعارضة. لكنه رأى أن «هناك حاجة إلى أن يكون الحزب وحلفاؤه جزءاً من الحل السياسي النهائي». وأوضح «لدينا هيئة الرياض المتماسكة، وهي لا تعتبر الحزب جزءاً من معارضة النظام، كما أنها حددت معايير للتفاوض أولها وجوب رحيل الأسد»، ملاحظاً أن «هذا ليس موقف الاتحاد الديمقراطي الكردي وفقاً لما رأيت». وفي تصريحاتٍ تليفزيونية مساء أمس؛ ذكر القيادي في المعارضة، منذر ماخوس، أن الموقف من اجتماعات جنيف لم يُعلَن بعد. وشدَّد على أهمية المسار الإنساني، وإلزام الطرف الآخر بقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، نافياً غياب التمثيل الكردي عن الهيئة العليا. وفي إشارةٍ إلى قبول الروس بعدم دعوة الاتحاد الديمقراطي الكردي؛ أفاد نائب وزير الخارجية الروسي، جينادي جاتيلوف، أن الحزب لن يشارك في المرحلة الأولى من العملية السياسية، لأنه لم يتلقَّ دعوةً «لكن يمكنه المشاركة في مرحلة لاحقة». ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن جاتيلوف قوله «لم تُرسَل دعوات للمشاركة في المرحلة الأولى من المحادثات إلى الحزب، لكن دي ميستورا حجز له مكاناً، وينوي دعوته في مرحلة لاحقة». وكانت موسكو قالت سابقاً إنه لا يجب إجراء محادثات دون حضور الفصيل الكردي الذي تسيطر وحداته العسكرية «وحدات حماية الشعب» على مساحات واسعة من الأراضي. في الوقت نفسه؛ أكد جاتيلوف أن وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم، سيقود وفد الحكومة. ولم تتطرق وسائل الإعلام السورية الموالية للنظام إلى دور المعلم في التفاوض. ونسبت «إنترفاكس» إلى جاتيلوف قوله «أرسل دي ميستورا دعوةً إلى وليد المعلم بوصفه رئيساً لوفد الحكومة». واجتمع المعلم مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، في نوفمبر الماضي في موسكو. وعلى الطرف المقابل؛ واصلت «العليا للمفاوضات» اجتماعاتها في الرياض لحسم موقفها؛ مع تشديدها على وجوب الاهتمام بالمسار الإنساني. وجددت الهيئة دعوتها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى التدخل لوقف قصف المناطق المدنية، ورفع الحصار المفروض على بلدات، وقرى قبل بدء محادثات السلام. وأرسلت الهيئة رسالةً إلى بان كي مون عقب اجتماعٍ لها مساء الثلاثاء. وأكد مسؤولٌ في المعارضة صحة نسخة من الرسالة، نشرها موقع إلكتروني مناهض للنظام، ووردت فيها إشارة إلى وجوب الإفراج عن السجناء، خصوصاً النساء والأطفال. وتستند «العليا للمفاوضات» في مطالبتها إلى ورود إجراءات بناء الثقة في قرارٍ أصدره مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي. واعتبرت الرسالة أنه «كي يُكتَب النجاح للمفاوضات؛ فإن الأمر يتطلب من المجتمع الدولي، مُمثَّلاً في مجلس الأمن، اتخاذ كل ما يمكن لوضع حد لكافة الإجراءات غير القانونية التي تعترض تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015». وفي ساعة متأخرة من مساء أمس؛ أبلغ المتحدث باسم المعارضة، سالم المسلط، قناة «العربية الحدث» بأن الموقف النهائي من دعوة الذهاب إلى جنيف سيُحسَم خلال اجتماعاتٍ ستعقد صباح اليوم الخميس. ولفت إلى إجماع المشاركين في اجتماعات الرياض على المطالبة بفك الحصار وإيصال المساعدات. بدوره؛ أعلن القيادي في «مجلس سوريا الديمقراطية»، هيثم مناع، نيَّته عدم المشاركة في التفاوض رغم تلقيه دعوة، مرجعاً ذلك إلى عدم توجيه دعوات إلى السياسيَّين الكرديَّين، صالح مسلم، وإلهام أحمد. وصرَّح «إما أن أذهب مع أصدقائي، أو لا أذهب»، متحدثاً عن «محاولات» لتشكيل وفد روسي، ثالث على الأرجح، متابعاً «لست مستعداً لأن أكون عضواً في الوفد الروسي، من حقنا أن يكون لدينا الوفد الخاص بنا». وتطلَّع مناع، في تصريحات صحفية أمس، إلى حدوث بعض التغيرات خلال الأيام المقبلة. وقال «لدينا يوم واحد للتفاوض على كل هذه الأشياء مع الروس، والأمريكيين، وفريق دي ميستورا، سنرى إن كانوا سيقبلون رأينا، ووجهة نظرنا بأن يكون هناك وفد. نحن مستعدون للمشاركة». بالمثل؛ أفصح المعارض المستقل، جهاد مقدسي، عبر صفحته على موقع «فيسبوك» عن تلقيه دعوة لحضور المحادثات، لكنه لن يشارك في جولتها الأولى. ونشر مقدسي ما بدا أنه خطابٌ موجَّهٌ إلى المبعوث الخاص، دي ميستورا، شكره فيه على الدعوة، وقال إنه لن يحضر «لأن غيابي المؤقت عن هذه الجولة الأولية قد يساهم في تخفيف حدة التجاذبات الحالية على أن أساهم لاحقاً في أي جهد إيجابي، وبناء يخدم القضية السورية حصراً، وبالتالي أرجو قبول اعتذاري عن المشاركة في هذه الجولة الأولى». ومنَّاع محسوب على المعارضة المقبولة إلى حد كبير من نظام الأسد، فيما كان مقدسي متحدثاً باسم وزارة الخارجية السورية حتى انشق قبل نحو 3 أعوام.