بدا الملازم أمان الله مستعداً للقتال حتى الموت لمنع تقدم «طالبان» في جنوبأفغانستان الذي يعدُّ معقلاً تقليدياً للحركة. لكنه فرَّ من الخدمة في نوفمبر الماضي بعد 15 شهراً من انضمامه إلى الجيش؛ ليصبح واحداً من آلاف الجنود الذين سَئِموا الحرب وتملَّكهم الإحباط فخلعوا الزي العسكري، مما أضعف قدرة كابول على صدِّ خطر المتطرفين المتنامي. وبالنسبة لأمان الله؛ تغيَّر كل شيء في أواخر العام المنصرم عندما وجد نفسه يقاتل بمعدَّة خاوية ودون تقاضٍ لراتبه، بينما كان المتمردون مسلحين بقذائف صاروخية ومدافع رشاشة ويهاجمون قاعدته من كافة الاتجاهات في معركةٍ استمرت 3 أيام. وجاءت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير عندما تجاهل قادتُه طلبات إرسال تعزيزاتٍ إلى موقعه النائي، فيما كان زملاؤه ينزفون حتى الموت من حوله بسبب نقص الرعاية الطبية. وعندما انتهى الكمين؛ انضمَّ إلى 3 من أصدقائه فخلعوا أرديتهم وهجروا القاعدة الواقعة بالقرب من مدينة قندهار أحد معاقل التمرد. والتحق أمان الله (28 عاماً) بالقوات الحكومية ليعيل أسرته ويخدم وطنه، لكنه اكتشف لاحقاً أن «هذه المهمة انتحارية». ويؤثِّر معدل استنزاف الجيش الأفغاني على صُلبِ استراتيجية واشنطن القائمة على تشكيل قوةٍ قادرةٍ على صدّ المتمردين عندما يكتمل انسحاب القوات الأمريكية. وأنهى حلف «شمال الأطلسي» مهمته القتالية في أفغانستان أواخر عام 2014، ومازالت قوةٌ أصغر تتولى أعمال التدريب وتقديم المشورة. وفي العام الماضي؛ قررت الولاياتالمتحدة التي أزعجها تقدُّم «طالبان» إبطاء وتيرة سحب القوات الباقية. ووفقاً لأرقامٍ نشرتها؛ اضطر الجيش الأفغاني إلى إحلال جنودٍ جددٍ محلَّ ثلث أفراده البالغين نحو 170 ألف جندي؛ نتيجةً لعمليات الهروب من الخدمة وانخفاض معدلات التجنيد وما يسقط من ضحايا. ويعني ذلك أن ثلث الجيش يتألَّف من مجندين جدد تخرَّجوا لتوِّهم من دورة تدريبية استمرت 3 أشهر. ويعتبر الباحث في شؤون جنوب آسيا وجنوب شرقها، مايكل كوجلمان، وتيرةَ تغيير الأفراد واحدةً من أخطر المشكلات التي تواجه كابول. واعتبر أن هذه المشكلة تزيد احتمال العجز عن صد «طالبان» عندما تخرج القوات الأمريكية بالكامل. وأنفقت الولاياتالمتحدة نحو 65 مليار دولار على إعداد قوات الأمن الأفغانية الناشئة التي تستهدف الوصول بقوامها إلى 350 ألف فرد مع اكتمال الانسحاب الأمريكي. وأكد قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال جون كامبل، أمام الكونجرس في أكتوبر الماضي أن «معدلات الاستنزاف المرتفعة سببها ضعف القيادة وندرة الأجازات التي يحصل عليها الجنود». وأشار إلى جنودٍ في بعض المناطق «يخوضون على الأرجح قتالاً متواصلاً منذ 3 سنوات». وعندما تولى الجيش الأفغاني العمليات القتالية بالكامل في 2015؛ زادت خسائره البشرية بنسبة 26 %، وفقاً لما ذكره ضابطُ في حلف «شمال الأطلسي». وتحدث الضابط، الذي رفض نشر اسمه، عن «15800 جندي سقطوا بين قتيل وجريح أي ما يقرب من واحد من كل 10 جنود». ورغم التحديات؛ مازال الحجم العام لهذا الجيش مستقراً. وعدد الأفغان المستعدين للمجازفة بحياتهم من أجل راتب شهري أساسي يبلغ نحو 300 دولار يعادل تقريباً عدد الفارين من الخدمة. وبثَّ الجيش إعلاناتٍ عبر التلفزيون في أوقات ذروة المشاهدة تُظهِر صوراً لجنودٍ يبدون في غاية التصميم أثناء مناورات تدريبية ويتناولون طعامهم في قاعاتٍ جيدة الإعداد. لكن على الخطوط الأمامية؛ يشكو الهاربون من الخدمة في الجيش والشرطة من غياب حلولٍ لدى القادة لمواجهة الكمائن القاتلة، ويتحدثون عن افتقاد استراتيجية أشمل لتحقيق النصر في الحرب، كما ينتقدون الفساد بين قادتهم وسوء الغذاء والعتاد. وروى فاروق، وهو ضابط شرطة متحدر من إقليم هلمند ترك عمله قبل 3 أشهر، أنه لم يكن يمرُّ يوم دون إطلاق نار وكمائن وقنابل على الطرق «حيث عوملنا وكأنه لا قيمة لنا وكان عملنا أن نسقط قتلى». فيما اعتبر المتحدث باسم وزارة الداخلية، صديق صديقي، أن الحكومة تعمل على تحسين أوضاع قوات الأمن، وأشاد بالعمل في ظل ظروف صعبة. ورغم هروبه من الخدمة؛ قرر أمان الله التقدم إلى الجيش من جديد «على أمل العمل في منطقة أكثر أماناً وتحت قيادة قادة أفضل .. وأنا في انتظار ردهم». وسبب عودته محاولة إيجاد عمل في بلدٍ يعاني من واحد من أدنى معدلات التشغيل في العالم.