اضطررت في الأسبوع الفائت لمراجعة أحد المستشفيات ولاحظت حدوث تغير هائل، وقفزات نوعية، حيث أصبحت الممرضّة «الشاويش عطية»، والدكتورة عبارة عن «ميكانيكية بشر»، أما عاملة النظافة فهي الوحيدة التي ترتدي ابتسامة مصطنعة على وجهها والوحيدة التي قد تكون مؤهلة لتكون الطبيبة. نشرت الممرضة عصبيّتها على المريضات، كانتشار« الحصبة» الأولى على جسد الوليد، ولم يتبّق سوى أن تأمرنا أن نستديرإلى الحائط وأن نرفع أيدينا ونثني رجلا طوال فترة الانتظار، وكنت أتخيّلها ستقوم بتفتيش نظافة على أظافرنا جميعاً، ثم تخيّلتها تكافئ المريضات الصامتات بعبارة «إللي بتسكت بيجي دورها» نكاية بي. أما زميلتها الممرّضة الآخرى، فاكتشفت أنها لا تتقن إلا لغة «الإشارة» و قمت بمطاردتها من غرفة إلى غرفة ومن صالة إلى صالة، ممسكة بورقة تخطيط القلب الذي طلبته منّي الدكتورة والحقيقة أنني للآن لا أعلم لماذا طلبته؟ حيث أنني أشكو من تشنج في عضلات الرقبة، لكنها نهرتني كما تنهر « قطّة» وقالت «استني دورك وابحثي عن سرير فارغ»... مشاهد مثيرة للشفقة وخاصة أن إحدى العاملات التي تقوم بتنظيف مكتبي في الجامعة أخبرتني أن مديرها قام بتنزيل راتبها لأنها رفضت أن تلتحق بالعمل في مستشفى، وعلى حسب روايتها أنها تأتي براتب عاملة نظافة ومن ثم تعمل مساعدة للطبيب «ممرضة» ولولا الخجل لطلبت من ذلك الكادر المتغطرس في تلك المستشفى أن يريني شهاداته على الأقل. في صالة الانتظار الرئيسية، تجلس مريضات الباطنية إلى جانب العظام إلى جانب مريضات العيون إلى جانب مريضات الأعصاب إلى جانب الأنف والأذن والحنجرة، إلى جانب الجلدية والتناسلية. في هذه القاعة التي تعجّ بالأمراض ورائحة الأدوية، تمنيت لو أن هناك تلفزيونا يقضي على ضجر الانتظار، ساعتها كنت سأختار أغنية «حبّك وجع» لتعكس حلة تلك المسكينة التي ترتدي شالاً مربوطاً للخلف بيدها اليمنى منديل ويدها الأخرى على رأسها بوضعية الشخص «المصدّع»، فسيكون كليباً واقعياً لتلك الأغنية... بعد طول انتظار تمكنت من إجراء تخطيط القلب والحمد لله تخيلت بعد كل تلك المعاناة أن النتيجة ستعطي أن قلبي بات ضعيفا ومضطربا لكنه خالف توقعاتي ولا يزال قلبا شابا ينبض بحب الحياة ، نظرت لي الطبيبة وقالت هل تريدين إبرة أم مسكن؟ وحتى أتخلص من الألم بسرعة اخترت الإبرة ونسيت ساعتها أنني بحاجة إلى «واسطة » لدى الممرضة كي لا تجعلني أنتظر لساعات وعندها فقط قررت أن أضع الوصفة في أقرب سلة للمهملات وأتجه إلى أقرب صيدلية، وفي طريق خروجي سمعت صوت دكتورة أخرى يتصاعد من العيادة لأن أحد المريضات فتحت باب الغرفة بالخطأ عندها فقط تاكدت أنني في ورشة ميكانيكي ولست في مستشفى.