«أسوأ مافي الحب أنه لا يأتي أبداً في الوقت المناسب وأنه لا ينتهي، وأن وجعه الحقيقي لا يكمن في الفراق ولكن في الذكريات، وأنه يجعلك تكتشف أنك غيرت أشياء كانت مهمة في شخصيتك وتخليت عن أشخاص كانوا مقربين وغيرت خطة حياتك الأصلية من أجل شخص لم يعد موجوداً، وأنه يجعلك تفترض أن هذه العلاقة (اتجاه واحد) فلا تحسب حساباً لنهايتها لأي سبب فتقف فجأة مذهولاً بعد أن كنت تستقل سيارة شخص قرر فجأة أن يتخلص منك في مكان مقطوع ليستكمل الطريق بمفرده». عن الحب والحكمة والسينما ومتعة كرة القدم وهؤلاء اللاعبين معدومي الموهبة الذين خدمهم الحظ ليصبحوا مشاهير وأغنياء، عن نكهة الملوخية الفاتنة التي لا تتقنها سوى الأمهات ورغم ذلك فلكل واحدة منهن نكهتها الخاصة ولو تشابهت المقادير، عن برامج التليفزيون التي أفسدت أخلاق البواب وتسجيلات المكالمات التي كشفت مؤامرة عزل السادات، عن القراء وتعليقاتهم النارية وما الذي كان من الممكن أن يكتبوه تعليقاً على مقالات يوسف إدريس أو مصطفى كامل لو كانت خدمة التعليقات متوفرة في ذلك الوقت، عن حفلات الأوبرا ومفارقة ارتداء ربطة العنق قبل دخولها، وجهلك بالطريقة الصحيحة في الجلوس والإنصات والوقت المناسب للتصفيق، عن الذكريات التي يثيرها العزف المنفرد لعمر خيرت. عن عمال توصيل الطلبات من المطاعم الذين يسميهم الطيارين، عن وحدتهم وشجنهم وتفردهم بمصادقة الشوارع في البرد والمطر، وأننا كلنا عمال (دليفري) بطريقة أو بأخرى سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر، عن متعة الانتظار وعذابه. عن الحرية والجرأة والقدرة على مراجعة الأفكار، عن الرزق وحكمة السعي خلفه رغم أنه مكتوب قبل أن يخلق الله الأرض ومن عليها. سواء كنت تعرف عمر طاهر من قبل، أو تتعرف عليه للمرة الأولى، سواء كنت من متابعي مقالاته المنتظمين أو من الذين لا يروقهم نمط كتابته الساخرة، في كل الأحوال ستجد في كتابه (شركة النشا والجلكوز) طعماً غريباً مدهشاً وشكلاً جديداً من أشكال الكتابة يخوضه عمر للمرة الأولى فهو يجعل الكتاب كله نصاً مفتوحاً ومتصلاً من أوله إلى آخره بدون عناوين أو فصول، كأنه حوار حميم لا ينقطع بينه وبينك، يتنقل بك بين حكايا وقصص وأخبار لا يكاد يربطها رابط، لكنه يتمكن من جمعها بطريقة عجيبة في لوحة (كولاج) ممتعة ومبهرة في آن، لعل أجمل ما فيها تلك اللغة البسيطة السلسة المتدفقة التي في نفس الوقت لا تخلو من حكمة وثقافة وتواضع. (وإن كنت لا أعرف تحديداً كيف يمكن أن يكون الكاتب متواضعاً لكنك تشعر بهذا جلياً في كتابات عمر طاهر). استمع إليه وهو يتحدث عن مراجعة الأفكار «راقب نفسك في كل مرة تفكر فيها فربما يكون ما تفعله هو إعادة ترتيب لأحكامك المسبقة المستقرة في عقلك، الواحد يتمسك بكل ما استقر في عقله بطريقة مقدسة ويخشى إن راجعه بصدق أن يفاجأ بأنه أهدر عمره أو أهدر فرصاً نتيجة ما كان يعتقد أنه جواب نهائي صحيح» و كما بدأ نصه المفتوح بالحديث عن الحب فهو يختمه بالحب كذلك لكن بالحب الإلهي الأسمى عندما يتحدث عن الرزق «أنت تبحث عنه كمحطة وصول في نهاية الطريق بينما هو ينتظرك في تقاطعات الطرق.. البلاء هو المسافة بين خير وآخر، وكل خير بلاء وكل بلاء خير.. افتح الرادار ولا يقلقك غياب الإشارة ولو فكرت قليلاً لفهمت الإشارة العظيمة الملهمة في أنه خلق الجنة أولاً ثم خلقك!.