ما الذي تبقى من العيد في ضوء ما يحدث من مآسٍ؟ كيف تقضي يوم العيد؟ هل تبتعد عن الكتابة في أيام العيد؟ أسئلة قد تبدو شائعة أو مكررة، إلا أنها مهمة من ناحية أنها تعيد طرح موضوع الفرح والتعبير عن السرور، في أيام مثل العيد أو أي يوم آخر، يمكن أن يمثل مناسبة للفرح. الأسئلة مهمة أيضاً لأنها تقلب إشكالنا الوجودي مع مناسبات الفرح، والارتباط الوثيق بهذه المناسبة، بما يحدث في عالمنا العربي من أحداث مأسوية عبرت عن دمار نفسي ومعنوي، قبل أن يتجسد هذا الدمار في صور أخرى. أيضاً حاولنا أن نلمس موضوع الكتابة، إلحاحها أو عدمه، في مثل هذه المناسبات، أو أن الكتابة يمكن أن تأخذ استراحة في مثل هذه الأيام. «الحياة» استطلعت آراء عدد من المثقفين، الذين جاءت إجاباتهم متباعدة وتختلف من مثقف إلى آخر. إلى شهادات المثقفين. عاصم حمدان: مشهد مأسوي للأمة لمناسبة العيد المبارك، لا أقوى على استحضار المشهد المأساوي الذي تعيشه الأمة العربية بعد ما عُرف بثورة الربيع العربي، والتي هي علي النقيض والضد من ذلك، بحسب الواقع والمرئي والمشاهد الذي يدل على أنه كان خريفاً بائساً، وشتاء صاقعاً إن لم يكن مهلكاً، إذ تحول فيه بعض مواطني تلك البلاد إلى شعوبٍ مهجرة، مذكرة بالشتات الفلسطيني بعد نكبة 1948. وإن كان الشتات الفلسطيني وقع بفعل الحركة الصهيونية والعنصرية، فإن الشتات، الذي نحن بصدد الإشارة إليه، وقع على أيدي بعض أبناء الأمة، والمنتسبين إليها، وتلك لعمري مفارقة عجيبة في تاريخ الأمم والشعوب. وأنا لا أقوى على الابتعاد عن عادة متعة القراءة والكتابة في أيام العيد فهي بالنسبة لي مثل فنجان القهوة والشاي الذي أتلذذ بارتشافه. القراءة والكتابة ماء الحياة ونبعها الحقيقي الذي ظل الفلاسفة في كل العصور والأزمان يجدُّون في البحث عنه في كل مكان، ثم يشعرون فجأة أنه قابع في دواخلهم، وإنهم كانوا واهمين عندما قطعوا الفيافي واجتازوا البحار بحثاً عنه أو تطلعاً لملاقاته. خليل الفزيع: عيد على رغم الأحزان يبقى للعيد ألفه في قلوب من أمضوا الشهر الكريم في العبادة والابتعاد عن كثير من الإغراءات التي تفسد صيامهم. وإن لم تعد عادات العيد كما هي في السابق لكن العيد هو العيد في قيمه الروحية العامة. وعلى رغم المآسي والأحزان لا بد من وقفة تأمل مع النفس ومنحها دفعة من الفرح والأمل. أقضي يوم العيد في استقبال المهنئين، وزيارة بعض الأصدقاء للتهنئة لهذه المناسبة، وربما في المساء سأخرج مع الأسرة إلى بعض الاحتفالات التي تقام لهذه المناسبة. الكتابة لا يمكن الابتعاد عنها عندما تداهم الكاتب في أي وقت ولا يملك إلا الاستجابة لها، أو تسجيلها باعتبارها فكرة ثم العودة إلى إكمالها لاحقاً أميرة كشغري: بهاء لا تحجبه عتمة الدرب العيد مشاعر احتفالية بهيجة نقتنصها من بين أنقاض الواقع. العيد بهاء لا تحجبه عتمة الدرب مهما اشتدت حلكتها. العيد استراحة من عناء الركض خلف أحلام لم تتحقق وأماني ضاعت وسط سبات عميق. يوم العيد هو يوم عائلي حميمي بامتياز أقضيه مع الأحباء من الأهل والأصدقاء وأستعيد فيه ذكريات الطفولة بكل مفاتنها الدافئة. وتظل الكتابة هاجساً يزداد تألقاً بقدوم العيد. وكل عام والعيد فرحتنا المشتهاة. حسين المناصرة: عيد في فلسطين لم يعد لدينا عيد، فهو مناسبة عادية جداً، يمر ليعمق مآسي كثيرة تحاصرنا في كل لحظة. كانت مأساتنا شبه الوحيدة فلسطينالمحتلة، ثم ها هي المآسي تدمر كل شيء: الإنسان، والشجر، والحجر، والمستقبل، غدت فلسطين مأساة متواضعة بالنسبة إلى مآسي العراق، وسورية، وليبيا، واليمن،... إلخ. يوم العيد في هذا العام يوم عادي، سأقضيه إن شاء الله مع أمي وبقية أهلي في فلسطين. وعادة يكون قضاء هذا اليوم في المعايدة على اﻷهل والأقارب والأصدقاء، وتذكر اﻷموات بزيارة القبور، واسترجاع اﻷحزان عموماً، فأفراحنا على أية حال تدمي قلوبنا، وغدونا نتمنى لو أن رمضان بلا عيد، ﻷن العيد فقد معناه!! أفضل أيام الكتابة بالنسبة لقلمي هي أيام رمضان، ولم يحدث أنني كتبت أو قرأت في أيام أي عيد. طاهر الزهراني: التحلي بالشجاعة في العيد لا بد من أن ننشر الفرح، لا بد من أن نتحلى بالشجاعة لنظهر ابتسامة في ظل كل ما يحدث من حولنا، ونحس أيضاً. في العيد أحرص على جميع الطقوس من حبات التمر قبل السير إلى المصلى حتى تقبيل رأس الوالدة. وبعد صلة الأرحام والتنزه مع الأطفال، في الغالب أجد وقتاً للقراءة، ولكل عيد كتاب أختاره بعناية، وديوان شعر، وفي هذا العيد لي موعد مع إيزابيل الليندي، إذ سأقرأ روايتها «حب وظلال»، وديوان «سرير الغريبة» لمحمود درويش. عبدالله الكعيد: يمر ولا يلتفت حتى إلى الأطفال بقي من العيد اسمه وغابت بهجته ولونه ونكهته، أصبح يمر علينا على عجل ولا يلتفت حتى إلى الأطفال الذين يعنيهم جداً، نعم أصبحت سُحنة العيد أخيراً مثل البشر مُكفهرّة وأوقاته مرتبكة وكأنه ينتظر مع الناس خبراً عاجلاً لا يسر أحداً، ولكن، هل نستطيع إعادة البسمة التي سُرقت من على وجه العيد؟ أقول نعم كُل يستطيع مُنفرداً تشكيل عيده كما يرغب ويشتهي وبالتالي التشارك مع محيطه الصغير كالوالدين والأسرة والأقارب ومن ثم الجيران وهكذا تتسع الدوائر وتكبر فيصبح عيداً بالعدوى، ولكي يمكن القيام بهذا الفعل فلا بد من نسيان، ولو موقتاً، ما يحدث في الكون من مآسي ووحشية واستحضار العيد بكامل أناقته وضحكاته الطفولية، ولأنني كاتب متفرّغ ملتزم مع الصحيفة بعدد معين من الزوايا أسبوعياً، فلا بد من الوفاء بهذا الالتزام حتى في الأعياد والإجازات لأن الصحف لا تتوقف عن الصدور. كل عيد والوطن وأهله بخير وسلام. عمرو العامري: أبطالنا وخطوط القتال فاصلة في تقويم العمر ورسائل معلبة كحبوب البنادول ثم أوجاع الغائبين، وهذا كل ما تبقى من العيد. العيد كان الدهشة وما عادت، فرح الأطفال والأطفال كبروا كلهم دفعة واحدة كأن هرمون العمر دفع في سواعدهم. والعيد كانت الكسوة التي ننتظر واليوم نلبس الجديد كل يوم، وما الذي بقي من العيد؟ بالأمس كان العيد يعيد الغائبين من ناحية، واليوم الكل يفر بعيداً وتغص المطارات والمنافذ بالهاربين من الوطن. ولم يبق من العيد إلا الذكرى وحرف الياء في المنتصف. يوم العيد يكاد يكون مستنسخاً.. الصلاة، ثم معايدات برسائل مملة، وربما النوم حتى آخر النهار. لا شيء يلوح بالفرح عدا بعض الأغنيات القديمة وأضواء تضيء كشهود الزور. في هذا العيد كلنا نعايد إبطالنا الواقفين على خطوط القتال، ولو كنت قريباً لقضيت العيد معهم وبينهم، وأعرف كثيراً فخرهم، لكني أقدر كثيراً أنهم بعيدون عن من يحبون والوطن يستحق. وكل عام وهم والوطن بألف خير. خالد اليوسف: فرصة للابتعاد أي عيد نرجوه ونتأمل فرحه وبهجته وسعادته ووطننا العربي كما نراه؟ أي عيد والتمزق والقتل والحرق والتمثيل الطائفي يدب في جسدنا العربي؟ أي عيد والأعداء الحاقدون هم أهل المنزل يعبثون بجميع ممتلكاته، ويهدمون ويبنون كيفما شاءوا وأرادوا؟ أي عيد ونحن العرب أعداء بعض؟! هذا آخر مآلنا وحالنا وواقعنا!! نحن نعيش في نكبة كبرى. منذ سنوات أعيش أيام العيد في بيتي ومع أولادي وعشي الصغير، لظروف عملي بعيداً عن أية احتفالات. الكتابة هي الملجأ في مثل هذه الأيام، وخصوصاً البحثية، لإنجاز ما أستطيع إنجازه في إجازة رسمية، وهي فرصة للابتعاد عن أشياء كثيرة. عبد الله البريدي: التوق إلى مخادعة الوجع المآسي وجع حتمي لكل منا، والإنسان تواق إلى مخادعة أوجاعه وتسكينها. والعيد خلق ليكون مسكناً لها ومخادعاً، فيسرق منا ابتسامة بيضاء وينحت على جبال همومنا رسومات ضاحكة مستبشرة بغد أفضل وحياة أجمل. في العيد أجهد لأن أدفع أكبر قدر ممكن من فواتير الصلة الاجتماعية بالزيارة والمجالسة والمشاركة والمضاحكة.. راجياً ألا تكون بعض فواتيري تراكم رصيدها بحيث تقطع عنب «خدمة الوصل» بأقارب هنا وهناك.. الكتابة ولادة، والعيد مخصب لأفكار ونفسيات مشجعة عليها، في أيام العيد أكتب وأكتب، ومرت بي أيام اشتغل فيها على أبحاث وكتب ومقالات. في العيد «صلة للأرحام» وفي الكتابة «صلة للأفهام»، وفي كل خير، مع وجوب تحقيق توازن ذكي بينهما. أحمد السيد عطيف: نحن الذين نكبر ونتغير بقي كل شيء من العيد. نجن الذين نكبر فننقص ونتغير. العيد هو بصباحه المبارك وشمسه الحبيبة.. إحساسنا بالفرح ليس كالألم. زاحمته أحزان السنين ومسؤوليات العمر.. لم نعد كاملين للفرح. وﻻ مهيئين ﻻكتمال إشراقة العيد. ننام ونصحو على مناظر الدم المنهمر والقتل المستمر. العيد كما هو واسألي ضحكات الصبيان وملابسهم وحلواهم ولهوهم. العيد لنا، نحن الكبار، ﻻ نفهمه إلا أنه رحمة الله بنا.. إصرار الحياة على خلق توازن إنساني نعبث به نحن بين عيد وعيد. العيد هو الفرحة الإجبارية التي يهديها لنا الله بين ركام الأحزان التي يصنعها الإنسان. يوم العيد في القرى تحكمه عادات جرى عليها من قبلنا. صلاة فزيارات أهل وأقارب وأباعد، ثم لمة الضحى على طعام العيد يأتي من كل بيت إلى وسط الحارة. العيد مهرب من شقاء الكتابة. أنا لا أقرب كتاباً وﻻ قلماً يوم العيد. أبذل جهدي لأخلص له. لألقاه في شيب أبي وفي محرم أمي، وضحكات زوجتي وأطفالي. إنه يوم يجب التفرغ له بكل ما أوتي المرء من محبة.