لم يعد أي شيء مستحيلاً في «الديمقراطيات» الغربية العريقة، وليس مستبعداً أن يصبح في المستقبل قط الجيران البدين رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية، ومادام شخص مثل الملياردير دونالد ترامب، هو المرشح الأوفر حظاً بين مرشحي الحزب الجمهوري، حسب استطلاعات الرأي، للمنافسة على منصب رئيس أمريكا، فيمكننا أن نتوقع ما لا يخطر على بال، فتلك هي أمريكا بلاد التناقضات والمصالح. ليس من حقنا بصفتنا عرباً ومسلمين التذمر، والشكوى، ولعن صناديق الاقتراع، التي قد تأتي بدونالد ترامب، وأفكاره الوطنية الغارقة في التطرف والقومية والكره، فصناديق الاقتراع لعبة حمقاء منذ أن فكَّر فيها فلاسفة الديمقراطية، هذا المفهوم الذي يعني كل شيء، ولا ترى منه أي شيء بشكل ملموس حسي على أرض الواقع، ففي معظم الدول العربية، إذا ما تم تطبيق الديمقراطية، فإنها ستؤدي ودون أي مجال للشك إلى فوز «داعش»، وأخواتها، وبعد أن كانوا يرفضون الكلمة وفلسفتها، صارت اليوم محببة إليهم، ومتضمنة في أدبياتهم، ودستورهم. الناخب لم يعد موثوقاً، والشعوب لم تعد تختار الأفضل والأعقل. بفضل الديمقراطية صعدت النازية، وها هي الديمقراطية اليوم تحنُّ إلى ماضيها الأسود، ويعود شبح اختيار الشعوب غير الموفق مَنْ يحكمها. ولمَنْ لا يعرف دونالد ترامب، فهو رجل أعمال، وملياردير، ومصدر تهديد للأمن القومي الأمريكي من خلال تحريض الأمريكيين أصحاب الرقبة الحمراء المستوطنين الولايات الجنوبية، والمولعين بالبنادق، وقبعات البيسبول، وغير الحاصلين على شهادة «الثانوية» من ذوي الأصول الأوروبية، على الأمريكيين ذوي الأصول غير الأوروبية، أصحاب الشهادات العليا، والأنوف المفلطحة، وهو من أشهر ناشري أفكار «داعش» في الغرب، وأمريكا، والمتمثلة بمحاربة التطرف بتطرف أكثر تطرفاً. كل ما يلزمك هو أن تكون مجنوناً وثرياً و«شتّاماً»، وتطالب بمنع المسلمين من الدخول إلى أمريكا، وتهدد بإعادة جميع المهاجرين غير الشرعيين إلى دولهم، وتصبغ شعرك، وتتحدث عن بطولاتك في التخلص من القذافي – ما دام الأخير قد مات، فلن يدافع عن نفسه- وتشارك في برامج تليفزيون الواقع وتنتجها، حتى يختارك الشعب الأمريكي. واستغلالاً منه للخطاب الديني ومدى تأثيره على قرارات الناخبين، وفجأة وبلا مقدمات، صُدمت وسائل الإعلام بانضمام شخص، كان يُحمل عليه، وعلى تصرفاته دائماً، وهو «ناشط إنجيلي» يؤثر بخطاباته على مئات الآلاف، وهو سام كلوفيس، الذي ورد في وسائل إعلام أمريكية أنه أصبح ركيزة في حملة ترامب الانتخابية، وناشطاً في الترويج له للوصول إلى أهم بيت رئاسي في العالم. قد يكون للديمقراطية عواقب وخيمة بعد كل هذه القرون التي مرَّت منذ اختراع هذه الكلمة السحرية، فقد تحولت إلى مجرد وسيلة، تبرِّر لغايةٍ غير نبيلة، وفقدت معناها وقيمها وتاريخها، وأعداؤها اليوم هم الذين يستفيدون منها. لو أصبح دونالد ترامب، رئيساً لأمريكا فلا تستغربوا بعدها لو اختار الشعب وحشاً، أو شبحاً، أو غراباً، ولا تتفاجأوا إذا تحكَّم مجنون في العالم، وضغط على الزر، وفجَّر هذا الكوكب بمَنْ فيه. يجب أن نقبل باختيار الشعوب، والشعوب تعرف جيداً مصلحتها، ولا تختار إلا الأفضل، وإرادة الشعوب بجب أن تكون، أليس كذلك؟!