تصبح ليلى وتمسي كالعادة على تعنيف أمها البديلة، أقصد عمتها زوجة أبيها التي أصبحت في نظر أبيها الأم البديلة والعوض الذي يسد فراغ أم ليلى، تلك المرأة الطيبة المبتسمة دائماً التي كان يحبها الجميع، فقد ماتت بسبب مرض عضال ألم بها، كان الأب حين وفاتها يشعر بأن الدنيا قد ضاقت وأظلمت عليه وعلى ابنته ليلى عازماً على ألا يتزوج بعد أم ليلى لما كان يسمع من قصص تروى عن معاناة الأطفال مع زوجات الآباء، ولكن انشغاله الدائم وغيابه عن البيت بسبب عمله الذي أشغله عن رعاية ابنته ونصائح الناس والأقارب له بالزواج جعله ينصاع ويتزوج تلك المرأة القاسية. لم تكن ليلى تظن أن هناك نساءً بهذه القسوة غير المبررة فقد فرحت وهي طفلة بريئة بأن أباها سيقدم لها هدية وهي هدية العمر، تلك الهدية هي أم بديلة عن أمك يا ليلى هكذا كان والدها قد أفهمها ذلك، طفولة ليلى وبراءتها جعلتها تفرح بهدية أبيها ويا لها من هدية، فمنذ أن وصلت تلك الهدية هديةُ الشؤم إلا وقد تحولت حياة ليلى إلى صوت جريح تبكيك نبراته وجسم هزيل تدميك كسراته، وحياة بائسة كلها أسى وألم وحزن واسترجاع واستذكار دائم لذكريات أمها الحنونة الحبيبة الغالية، كانت ليلى تسأل نفسها كل يوم لماذا أمي هذه ليست كأمي تلك؟ لكنها لا تجد الجواب فقد حالت دونه عفوية الأطفال وبساطتهم وصدق مشاعرهم، ليلى لم تخبر أباها بما تقوم به هذه الأم المزيفة لأنها ترى أباها سعيداً معها كل السعادة فلا تريد أن تفسد تلك السعادة على أبيها الذي تحبه كثيراً كذلك منعها الخوف جراء تهديد العمة لها، كانت تلك المرأة تعرف مدى حب أبي ليلى لها ولذلك كانت تصطنع حبها لليلى في حضرة أبيها أما في غيابه فتتحول إلى شخصية أخرى!! صوت جريح يئن في هذا البيت الذي كان مليئا بالسعادة والمحبة والمودة. وهناك صوت جريح آخر قد لا نسمعه ولا نراه بين الحجرات والجدر إنه صوت أم وجد التي أطلقت على نفسها «المظلومة» فقد كانت تعيش في بيت أبيها في سعادة وترف ودين وخلق رفيع قادها قدرها بأن تتزوج من ذلك الشاب الوسيم ذي الوظيفة المرموقة والعائلة النبيلة، ولكن هيهات! لم يكتمل ذلك العقد الثمين فقد كان يغيب عن ذلك الشاب زينة الدين وحسن الخلق حتى تحولت حياة أم وجد إلى حسرة وجحيم، فهو يقيمها ويقعدها في كل يوم بأشد أنواع العنف النفسي والجسدي واللفظي حتى أنها أصبحت تراجع الطبيب النفسي جراء ذلك، كانت لا تشتكي لأهلها كثيراً خشية على مصير أطفالها الصغار، فكانت تصبر وتحتسب وتدعو الله أن يهديه، وهناك صوت جريح ثالث ينزف بين ظهرانينا إنه صوت أنين المرضى الذين أنهكم المرض، ونخر عظامهم الجرح، وأدمت قلوبهم الحسرة، لكنهم يصبرون ويحتسبون والله يخلفهم خيراً ويجزلهم أجراً على صبرهم واحتسابهم، وهناك صوت جريح آخر نسمعه ولا يكاد يبين إنه صوت اليتيم الذي فقد أحد والديه أو كلاهما معاً، لك الله أيها اليتيم الصغير ولا تحزن ولا تبتئس فالله خصك بالاسم في كتابه، ورسولنا عليه الصلاة والسلام استوصى بك خيراً في الدنيا والآخرة، وهناك صوت جريح يزعزع أنينه شمم الجبال الراسيات ويغضب الله له ويحلف بأن ينصرنه ولو بعد حين، إنه وجع المظلوم وقهره، فلا تبتئس أيها المظلوم فالله ناصرك وكافيك ومقتص لك. وهناك ثمة أصوات جريحة قد نراها ونعلمها وبعضها تخفى علينا ولا يعلمها إلا الله سبحانه، وبلا شك ليس كل الأصوات جريحة بل هناك من قادتهم الظروف بأن جعلت أصواتهم جريحة مبحوحة، أما بصفة عامة فالحياة حلوة حتى وإن توارت خلفها بعض التمتمات والنذر، وبالتأكيد وعلى سبيل المثال ليس كل يتيم فقد والديه أو أحدهما يعيش عيشة البؤساء بل هناك أيتام والوالدان أحياء بسبب إهمالهم لهم، وهناك أيتام يعيشون أفضل حال ممن والديهم على قيد الحياة، هي أمثلة للعبرة والعظة ليس إلا، وقس على ذلك كل إنسان يحمل في داخله صوتا متقطعا جريحا فنسأل الله أن يطفئ ألم تلك الأصوات الجريحة وأن يجبر كسرها وأن يتولاها دون خلقه فهو الناصر الرحمن الرحيم.