قادت مقولة «المدير دائما على حق» 12 موظفا سعوديا إلى الفصل من أعمالهم، بينما كشفت في نفس الوقت سرقة 230 مليون ريال من فرع أحد البنوك السعودية الكبرى، باعتراف مدير الفرع المتهم للجهات الرسمية، الذي أودع السجن في مدينة الرياض، لكن ضحايا تصرفه الفردي جعلت من 12 عائلة سعودية بأطفالهم الأربعين بلا دخل مالي يعينهم على مصاريف الدراسة وتدبير لقمة العيش بعد فصل أولياء أمورهم من أعمالهم منذ سبعة أشهر حتى اليوم. «الشرق» تتبعت دهاليز سرقة الملايين التي بدأت باختلاس مدير فرع أحد البنوك مبلغا قدره 230 مليون ريال من حساب عميلين اثنين (تحتفظ الشرق باسميهما) وتمت السرقة عبر ثلاث عمليات، هي شيكين مصرفيين وحوالة، مع وضع في الاعتبار أن جميع العمليات التي قام بها المفصولون كانت معتمدة وصحيحة نظاميا ومن قبل مدير الفرع الذي يشغل أيضا مدير علاقات العملاء المميزين بالفرع، ويعمل في البنك أكثر من 33 عاما، كما أن جميع العمليات تمت بموجب تعميد مدير الفرع وتنفيذ الأوامر المشروعة، كما تمت بأوراق نظامية كاملة بعد اطلاع إدارة المراقبة الداخلية في البنك وإدارة الالتزام والمراجعة العليا ولم يتم إبداء أي ملاحظة خاطئة على العمليات الثلاث ولم يصدر أي استفسار في وقتها. الموظفان المفصولان خالد الصرخي ونايف الدلبحي، تحدثا ل«الشرق» عن طرف من ملابسات القضية، حيث تساءل الصرخي «كيف يتم فصلنا ونحن نفذنا أوامر نظامية مشروعة ومعتمدة إداريا من قبل البنك، وبتوجيه من مدير الفرع الذي يعد أعلى سلطة إدارية فيه» وأضاف «كما أنه يشغل منصب مدير علاقة العملاء المميزين، وليس لدينا علاقة مع العميلين المتضررين، حيث إنهما يتواصلان مع مدير الفرع فقط، بينما يمنعنا من الحديث معهما تنفيذا لرغبتهما، الأمر الذي يجعلهما يغادران الفرع في حالة كان المدير غير موجود، ويرفضان أي تعامل مع أي موظف آخر». وألحّ خالد الصرخي في حديثه مع «الشرق» على تساؤله «كيف يتم فصلنا؟ ومدير الفرع اعترف أنه وحده من قام بالسرقة، وأكد براءتنا، ومع ذلك فصلنا البنك تعسفيا، مع العلم أن اكتشاف السرقة التي قام بها المدير جاء من خارج البنك بعد القبض عليه، والأغرب أن فصلنا تم بعد تسعة أشهر من عملية السرقة». وعن تحويلهم إلى جهة أمنية من خارج البنك قال الصرخي ل»الشرق»: طالبنا في حينه بتحويلنا إلى جهات التحقيق الرسمية، لكن البنك رفض ذلك واكتفى بالتحقيق الداخلي خارج الدوام الرسمي للبنك، مؤكدا أن التحقيق كان من قبل محقق واحد فقط، ولم تكون لجنة متخصصة لهذا الغرض، وقال «أثار التحقيق من قبل شخص واحد استغرابنا، بينما امتد لساعات من الليل خارج الدوام الرسمي للبنك، مع ملاحظة أن المحقق كان يتبع لجهة ترتبط بدرجة كبيرة بهذا الاختلاس، وهي إدارة المراجعة». وأكد الصرخي أنه وزملاءه لم توجه لهم تهمة الاختلاس، وأضاف «اعتقدنا أن الأمور تختص باستفسارات فقط، لأنه ليس لنا علاقة بالسرقة، حتى إن أحد زملائنا المفصولين كان قد انتقل من الفرع قبل الحادثة بأربعة شهور». من جهته، أوضح موظف البنك المفصول نايف الدلبحي أن السرقة تمت في تاريخ إصدار الشيكين المصرفيين بقيمة 130 مليون ريال، والحوالة البنكية بقيمة 100 مليون ريال، وأن جميعها صدرت في تاريخ 26/9/2010م حسب قوله، مضيفا أن القبض على مدير الفرع كان في تاريخ 11/6/2011م، وأن التحقيق معهم في تاريخ 19/6/2011م. وأضاف الدلبحي «العمليات الثلاث نفذها صرافان، أحدهما تم فصله على خلفية إصداره الشيكين (130 مليون ريال)، بينما الآخر لا يزال على رأس العمل، وهو المنفذ للحوالة بمبلغ (100 مليون ريال) الأمر الذي أثار استغرابهم ودهشتهم، بحسب قوله، بالرغم من أن مدير الفرع هو من قام بتعميدهما «إضافة الى أن مجموعة كبيرة من المفصولين ليس لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالعمليات البنكية المرتبطة بالاختلاس»، ويستدرك الدلبحي «إدارة البنك حورت الموضوع من فشل جهاز رقابي، إلى فشل أفراد صغار تمت التضحية بهم بسهولة». وذكر الدلبحي أن جميع الموظفين الذين فصلوا على خلفية قضية الاختلاس يشغلون وظائف ثانوية في البنك، لافتا إلى أنه لم يحاسب أو يفصل أي مسؤول من المراتب العليا التي أعطت كل الصلاحيات للمدير السجين الذي حصل على درجة 5/5 في تقرير المراجعة والتفتيش لخمس سنوات متتالية، وقال «تعد هذه الدرجة قياسية من حيث الأداء البنكي لا يحصل عليها إلا المميزون، ما جعل من المدير المختلس مثالا أعلى لنا من حيث الثقة في تطبيق الأنظمة والإجراءات». ولم يخف الصرخي والدلبحي في حديثهما ل«الشرق» خيبة أملهما إزاء الدور الغائب لمؤسسة النقد التي لم تتدخل في الوقت المناسب، وبينا أنها تدخلت لاحقا وأثبتت أن «كل ما قمنا به إداريا صحيح ولا غبار عليه»، ولفتا إلى أن البنك أوصى بعد فصلهم بتعديل بعض أنظمة دليل السياسات والإجراءات عن طريق إحدى الشركات الكبرى المتخصصة، الأمر الذي يزيد موقفهم صلابة، بحسب قولهم، باعتبارهم «ضحية استغلال»، وطالبا بإنصافهم جميعا بإعادتهم إلى أعمالهم وتقديم اعتذار لهم من الإدارة العليا، ليشفع ذلك لهم أمام أبنائهم وبناتهم وخدمتهم الطويلة التي قضوها في خدمة عملاء البنك، وتعويضهم عما لحقهم من ضرر. بدوره، أوضح ل»الشرق» الخبير القانوني المحامي خالد السعدون أن البنك لم يكتشف الخطأ إلا بعد عملية القبض على مدير الفرع بعد ما يربو على تسعة أشهر من عملية السرقة، مؤكدا أن تلك العمليات لابد أنها مرت على عدة إجراءات وأنظمة رقابية، وبالتالي لا يمكن قبول دفع البنك بعدم علمه أو اكتشافه للعملية إلا في وقت القبض على المدير من خارج البنك، وقال «لو وجدت أدوات رقابية قوية لدى البنك لما استطاع مدير الفرع النيل من تلك الأموال، إذ أن خروج مبالغ بمئات الملايين من البنك دون أي استفسار من قبل الإدارات المعنية في البنك والتي من أبسطها الاتصال بالعميل ومحاولة إقناعه بعدم ترحيل تلك المبالغ، أمر مثير للريبة، خصوصا في ظل المنافسة القوية بين البنوك المحلية على استقطاب رؤوس الأموال، ومثل تلك المبالغ لا تخرج إلا بعد مرور معاملاتها على كثير من الإدارات، وبعد أن تخضع للكثير من الإجراءات». وقال المحامي السعدون «لو سلمنا أن الإجراءات التي قام بها المفصولون تعد مخالفة لسياسات وإجراءات البنك، فلماذا لا تطبق تلك السياسات على إدارات ومناصب تعد أكثر حساسية وارتباطا بالعملية، وبنفس عصى الإهمال والتقصير التي ضُرب بها المفصولون». سرقة 230 مليون ريال سعودي